خالد بن حمد المالك
على مدى قرابة أربعين عاماً ظلت إيران بكل إمكاناتها توقد الكثير من الحرائق في دولنا العربية، تشعل النار في سوريا والعراق واليمن والبحرين ولبنان والكويت وحتى في المملكة، باستخدامها عناصر مأجورة وعميلة لها، حتى إذا ما انطفأ هذا الحريق أو ذاك، بهذه الدولة أو تلك، زادت من الحطب، وأوقدت الكثير من النيران، وهكذا تفعل مستمتعة بجرائمها وبما يجري في هذه الدول من حروب أهلية، ومن تدمير للبنية التحتية في كل دولة، ومن إخلال بالنظام العام، ومن إضعاف لوضعها الاقتصادي في عمليات عبثية يقودها ويوجهها ويمولها نظام الولي الفقيه (السفيه) في إيران.
* *
تقوم هذه الدولة الفاشلة بهذا التخريب، وتتدخل في شؤون دولنا، وتعرّض مواطنينا إلى القتل والإعاقة، ومنشآتنا ومبانينا إلى الدمار، مستفيدة من تجاوب المغفلين منَّا في تنفيذ مخططها الإرهابي، دون أن يدركوا الأهداف التي ترمي إليها من وراء هذه الأعمال المجنونة، والتصرفات الحمقاء، والتدخل الجبان، وكأنها في مأمن، وليست على مرمى حجر من الرد بالمثل لو أرادت دولنا أن تفعل، غير أن الانتقام من هذا النظام الظالم تُرك أمره للشعوب الإيرانية التي عانت كثيراً من هذه السياسة الخرقاء، واكتوت إلى حد الملل من الضائقة الاقتصادية، والظلم والقهر، وتكميم كل الأصوات الإيرانية التي تنادي بالحرية، وبإيقاف القمع والتسلط اللذين يمارسهما هذا النظام الدموي بحق أي معترض أو محتج على هذه السياسة.
* *
وإذا كان نظام الملالي يجد نفسه في موقف المنتصر فيما جرى في عالمنا مما سمي بالربيع العربي، فها هو الربيع الإيراني قد بدأ من خلال الاحتجاجات والمظاهرات التي يزداد عددها، وتتوسع رقعتها، ويرفض القائمون بها الاستسلام أو الاستكانة، رغم قسوة النظام في التعامل معهم، فالثورة بدأت لإسقاط النظام، ولا يبدو أمامنا ما يلوح في الأفق على أنها سوف تنتهي ما لم يكن هناك تغيير جذري يقضي على هذه الهيمنة المذلة التي تدار بها إيران، وما لم يعاد للشعوب الإيرانية كرامتها وحقوقها المشروعة في وطن لا يفرِّق بين المواطنين، ولا يحرمهم من حقوقهم في الحرية والمشاركة في القرار.
* *
حتى كتابة هذه الكلمة مساء أمس، ومع دخول المظاهرات أسبوعها الثاني، فإنَّ كل الوسائل التي استخدمها النظام لم تُفلح في إيقاف هذا الهدير الجماهيري المدوي، وهذا الخروج الجماهيري إلى شوارع عدد من المدن الإيرانية بهذه الكثافة العددية الهائلة، إذ يظهر أن الشعوب الإيرانية مصممة على إسقاط النظام، وأنها غير مستعدة للتنازل عن مطالبها مهما كلفها ذلك من ثمن، وأن خيارها الوحيد الذي لا بديل له أن يرحل نظام الملالي، ويترك للشعب حقه في محاكمته على ما اقترفه من تجاوزات وجرائم واستغلال للنفوذ على مدى عقود من الزمن.
* *
ولعل النظام الإيراني أدرك الآن بأن إلهاء المواطنين بكل شرائحهم وانتماءاتهم ومذاهبهم وقومياتهم في دعم الإرهاب والمليشيات الطائفية في الدول العربية عن الوضع المأساوي في الداخل لم يعد ذلك ينطلي على الأحرار والشرفاء في إيران، وأن عمليات القتل والتعذيب ضد المتظاهرين لن توقف هذا الزحف نحو معاقل قادة النظام، ولن يكون لها ذلك التأثير في أي تراجع للمتظاهرين، كما يتمنى ذلك هذا النظام الدموي الفاشل، فالانتفاضة بدأت وسوف تستمر إلى أن تحقق أهدافها.
* *
فالمرشد ومعه أركان النظام لم يعد لديهم حيلة يحتالون بها لإيقاف هذه الثورة، فقد أسقط في أيديهم، أن الجميع وعلى رأي واحد يرددون هتافات بإسقاط نظام الملالي، وأنهم جميعاً ضد نظام ولاية الفقيه، ضد هؤلاء القتلة رغم القمع والقتل، فزمن ولاية الفقيه ولىَّ ولن يعود، والشعار الذي يرفعه المتظاهرون وتردده حناجرهم (لا غزة ولا لبنان ولا سوريا أو العراق واليمن أرواحنا فداء إيران)، فهذا نظام إرهابي قاتل، ملَّتْ الشعوب الإيرانية من الانتظار، فرأينا أن أياً من المدن الإيرانية غير مستثناة من هذه المظاهرات، بما فيها معاقل النظام نفسه في قُم ومشهد، بل إن هناك تحركاً غير عادي وله دلالة من الشعب الأذربيجاني على الحدود بين إيران وأذربيجان، مما يؤكد على أن فرصة نظام الملالي في التخلص من قبضة أيدي الشعوب الهادرة في شوارع ومدن إيران أمر أصبح من الماضي.