إذا كان المكان العام لكاتبه يمثل عالمه في الواقع فهذا مايغريه بالكتابة في الأماكن العامة
لتنطلق من كاتبها وتتجول في الأزقة والأرصفة والطرقات الفسيحة.. ترى ما الذي يطلق طاقة الكتابة في الزحام لتبني جسر معانيها، تبنيها من أحذية المارة ومن خطى الشوارع وطعم القهوة المرة والشاي بالنعناع وأنواع المشروبات ونكهاتها.
ماالذي يدعو الكتابة لتتقاسم وكاتبها طعم وجبته وأنفاس يومه؟
ماذا يحدث حين يكون المقهى خاليا من رواده؟
هل تستطيع الكلمات أن تسير على دروب الكتابة ؟ أم تتوقف عن المشي؟
هل تتأمل في اللوحات المعلقة على جدران المقاهي والبيوت والمطارات ؟ أم تنبش عن ما يعلق بها من غبار الأحاسيس وتضطرها لتنحني في عمق ذاكرتها لتستدعي صور الرواد وتجلسهم على كراسيهم التي تفتقدهم؟
هل تفتقد الكراسي أصحابها أم أن الكاتب هو من يحتاج إلى تأليف الحكايات ويحاول ملء المكان برفاقه؟.
يقدر الكاتب على الاستمرار في عقد علاقة الوصل بما يتناسب وموضوعه وإلهامه. لكن ذلك لايتم إلا بتمارين متواصلة على التعايش مع الكتابة في مناخات متنوعة متعددة. لابد أن تتفرج الكتابة على نكهات حياتية وتحصل على خبرات متعددة بحيث تختزل العالم في مخها وتستحضره متى احتاجت إليه.
الكتابة تأكل مع كاتبها، تنام معه وتستيقظ باستيقاظه، تحزن وتفرح بمعيته. لايعلم بذات الكاتب أحد كما تعلم به كتابته فهي التي تستبصر به وتبصره.
تعي الكتابة كاتبها ولايعيها فهو يمارسها غالبا في لاوعيه وهي التي تعي لاوعيه بها.
الأماكن العامة كالكتب، بل إنها كتب تثير الكتابة وتثريها وتشحن كاتبها بمعنى كتابة الواقع . ومن أجل أن تصير الكتابة طاقة خلاقة .لابد أن يلتزم كاتبها بالإخلاص في تأمل المشهد ووصفه متبنيا الحقيقة المرئية والمتخيلة دون تزييف محترم لتقاليد الكلمة. هناك تربية من قبل الكتابة لكاتبها، فلابد من قبول كتابها تربيتها إياهم والخضوع لها بالطاعة مادام في ذلك الأمر منفعة كبرى لذواتهم وكتاباتهم.
** **
- هدى الدغفق