علينا أن نشرح لأولادنا حتى تكون المناعة قوية ولكن ليست كل الطرق تؤدي إلى روما فأحيانا تتشابه الطرق فتخطئ في قصد المدينة !
كتاب لا تتعدى صفحاته مئة وثمانية وخمسين صفحة من القطع المتوسط وبن جلون كاتب فرنسي مغربي معروف وأحد الفائزين بجائزة الجونكور الفرنسية سابقاً ولكنه في صفحاته تلك سرد كثيراً من الحقائق التاريخية والوقائع على طريقة سؤال وجواب كمحاورة بينه وبين إحدى بناته ولا شك أن الأسلوب والطريقة فيها من التغير ما يوحي أنها موجهة لجيل الناشئة والأحداث المتسارعة في العالم بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص وعقدة ما يسمّى (الإرهاب) الذي أصبح البعبع والشبح الخفي بألوانه المختلفة وداء العصر الحديث الذي حصد ومازال يحصد مئات الآلاف ولكن في كتابه بن جلون كالبقية من الغربيين لم يأت بجديد في استعراضه للإرهاب دون الانحياز لما يتبناه من فكر دون وعي بأن الناشئة ستقرأ ما يُكتب وستتأثر بما يُكتب وقد يختزل الكثير منهم ما كُتب ! ولكن لا أدري إن كان بن جلون مسلم أم لا فهو حين يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم يتقمص شخصية المسيحي بالاكتفاء (بالنبي محمد) دون الصلاة عليه فإن كان مسلما فهذا سوء أدب وإن كان غير ذلك فليس عليه ملامة ! وبن جلّون كما قلت آنفاً إنه كالغربيين فيه نزعة فاشستية على الإسلام والعروبة وهذا طبيعي لكون التربية الفكرية فرنسية علمانية وبالتالي رؤيتهم أن الدين بمنأى عن أي تقدم وسبب كل البلايا هكذا اعتقادهم وأدلّ على ذلك ما يُحكى عنه أنه غضب حين رأى مؤلفاته في فرنسا عند ركن الأدب الأجنبي وهو يعد نفسه فرنسياً خالصاً ! وفي كتابه يرى الإرهاب من وجهة نظر غربية بحيث لا يبرئ الإسلام من المتشددين ومن الاستغلاليين بالدين سوى لماماً وإنما يجعلها اقتداء بتعاليم ونصوص يسيرون عليها كشرعنة قتل الكافر دون التمييز بين المعتدي والمسالم والمرتد عن دار الإسلام وهذه وجهة نظر فقهية أقحم بن جلون نفسه في مشاهد كثيرة في الكتاب لذلك يسميه (الإرهاب الإسلامي) وهو إذ يعطي الأولوية في الإرهاب كله للفرد والجماعات لا يصرح بإرهاب الدول الغربية العسكري والسياسي ولا الاستخباراتي الذي هو سبب كل ذلك بمنهجية واضحة مبتغاه الطمع والسيطرة والنفوذ كالروس مثلاً في سوريا وأمريكا في العراق الذين خططوا للاغراء بين الفرقاء لكي يقتتلوا مستخدمين كل الأساليب لتشويه سمعة الإسلام حتى بات العنف صناعة إسلامية بامتياز ، كل ذلك لم تكن في حسابات بن جلون وإن أقحم بعض المعلومات البسيطة التي لا تسمن ولا تغني بل جعل متهكمي شارل ابيدو المجرمين ضحايا لانب لهم فإنهم بكل بساطة صحفيون إنما كانوا يعنون بالتهكم والسخرية فعلينا أن نتقبل سخريتهم لأنهم في دولة علمانية، يقول عن رسوم شارل:
- يمكن ! اعتبار ذلك استفزازاً غير مستحب!!
ولا أدري لمَ لم يجعل نفسه من أصحاب المجاز في انتزاع تفسيرات القرآن الكريم كما جعل بعض المفسرين الأوائل ؟! ثم أقحم نفسه مع المعتزلة أصحاب فلسفة (خلق القرآن الكريم) مرجحاً رأيهم في ذلك.
- ربما علمانية بن جلون أظهرته معادياً للدين وصبغ كتابه بصبغة علمانية واضحة حتى لا نكيل بمكيالين فنترك فسحة في ذلك فنقول نوعاً ما لكن هذا لا يجعله أن يتكبد عناء المشقة ويضع كل الإرهاب في سلة المسلمين دون إطالة نظر وبحث حقيقي في أصول الإرهاب وماهيته ؟! إن كان يريد من الناشئة معرفة وفهم الإرهاب بشكل صحيح وحقيقي دون عاطفة علمانية لا تدين من يتبنى العلمانية التي تحارب الدين لأن المسلمين في مرمى الهدف ليس إلا لكونهم أكثر تمسكاً بدينهم وإن كان الرامي أحياناً من أنفسهم.
** **
- زياد السبيت