مها محمد الشريف
يصعب علينا في هذه الأيام أن ندرك قلق وتأثر الدول الكبرى بما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، لكن تسجيل المواقف ضرورة سياسية؛ فعلى سبيل المثال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بلغ نظيره الإيراني حسن روحاني «قلقه» حيال «عدد الضحايا على خلفية تظاهرات» الأيام الأخيرة في إيران داعيًا إلى «ضبط النفس والتهدئة»، وفق ما أعلنت الرئاسة الفرنسية.
فمنذ خضعت المنطقة لحمل أعباء إضافية من جراء التوترات التي فرضتها إيران ضاعفت الإنفاق على صفقات مليارية لشراء أدوات عسكرية وأسلحة متطورة؛ ما دهور الأوضاع السياسية والاقتصادية فيها.. بداية من حرب سوريا والعراق واليمن إلى مظاهرات إيران، وفي أغلب الظن إن هناك دَينًا جديدًا على نظام طهران سيدفعه بعد أن رزح الشعب تحت أثقال ديكتاتورية ظالمة.
لم تعد منطقة الشرق الأوسط رقعة شطرنج تحركها أيدي الغرب بذكاء خارق كيفما شاءت، بل أصبحت ساحة قتال، دفعت الدول قيمتها إلى الغرب بسبب سياسة طهران ونشاطها الإرهابي؛ فخلال الفترة الزمنية المعاصرة اختلفت موازين القوي في المنطقة بالنظر إلى هذه المعطيات، ونفض الشعب الإيراني غبار الاضطهاد والبؤس، وفجّر موجة عارمة من الغضب بعدما ذبلت طموحاته، وانتكست آماله بعد أن نفد صبره.. ليس أمامهم إلا شراكة قائمة مع العصيان أو التحرر من الطغيان. واليوم تظاهرات قم شهدت تحولاً خطيرًا؛ فالهتافات أصبحت تطالب بموت المرشد الإيراني (خامنئي) وموت (حزب الله اللبناني) بعدما كانت المطالبات بسبب الفقر والبطالة والفساد والقمع والتسلط.
لكن ما يثير الدهشة فعلاً موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من النظام الإيراني، وانحيازه للنظام ضد المتظاهرين ومطالبهم الأساسية، ويدعو لاستمرار الحوار مع إيران ملوحًا باستيائه وهو يعلم أن النخبة السياسية اختطفت اقتصاد البلاد لخدمة مصالحها الخاصة، ويحذر السعودية وأمريكا من أن لغة الخطابات التي تصدر عنهما بشأن طهران «تكاد تدفعنا نحو حرب».
وفي مشهد آخر، نقلته رويترز عن الرئيس الفرنسي، فإنه لن يزور إيران حتى يعود إليها الهدوء، وتحترم الحريات. ماذا يريد ماكرون من هذه التناقضات في مشهدين متناقضين لحدث واحد؟! لماذا هذا الانحياز إلى نظام طهران؛ إذ وصف تظاهرات الشعب بأنها تشكل اختراقًا استراتيجيًّا لحكومة روحاني وخامنئي، ولم يبد أي امتعاض من إرهاب إيران المهدد لجيرانها وصواريخها الباليستية للحوثيين في اليمن التي ترسلها على السعودية.
ولكن ماكرون يسحب الأحداث إلى منحى آخر؛ إذ يشير إلى أن القاعدة وداعش صناعة أمريكية من خلال حربَي العراق وأفغانستان، ويريد أن يثير جانبًا آخر من الأحداث بعيدًا عن مظاهرات الشعب الإيراني، ويبرئ النظام من فوضى داعش وعلاقته به على طريقته الخاصة، غير أن هذا التلميح يترك كل الفرص لحل أزمة الشعب الإيراني، ويؤيد نظام الملالي، وكأنه ينتظر ردة فعل روسيا حليفة إيران، خاصة إذا عُقدت جلسة لمجلس الأمن، واحتمال مزيد من العقوبات. هل يريد ماكرون صناعة أزمة مع حلفائه من أجل طهران وتغيير اتجاه القضية؟