يوسف المحيميد
كثيرون هذه الأيام يتداولون فكرة النقل العام بعد ارتفاع أسعار الوقود، وطرح النقل كبديل لمن لا يستطيع استخدام سيارة مكلفة، ووقود قد يزيد عن طاقته، وأيضًا لمن يريد التنقل براحة وسلامة من مكان إلى آخر، والنقل العام في معظم دول العالم يعد أحد مشروعات البنى التحتية المهمة في المدن، لكنه ليس مجرد حافلات وسائقين والسلام، وإنما هو منظومة كبيرة تشتمل على تخطيط وتأسيس مسارات، ومحطات انتظار، وسن قوانين وأنظمة مرورية.
لماذا فشلنا في مشروع النقل الجماعي، وتحول إلى تقديم خدمات خاصة للمناسبات، واكتفي برحلات الطرق من مدينة إلى أخرى؟ أعتقد أنه لم يؤسس له جيدًا، فإنشاء نقل عام، على مستوى الحافلات يحتاج إلى تأسيس خريطة كاملة لكل مدينة، تشتمل على جميع المواقع المهمة والجهات الحكومية والمرافق والخدمات والأسواق والأحياء، وما لم تكن خريطة شاملة، فهذا يعني أحد بوادر الفشل، والأمر الثاني تحديد المسارات الخاصة للحافلات فقط، من أجل ضبط مواعيد مرور الحافلات بكل محطة، فما لم أجد حافلة في محطة الانتظار كل عشر دقائق، وبدقة شديدة حسب جدول مواعيد الحافلة، وما لم أصل المكان المقصود بدقة أيضًا، وما لم أصعد حافلة مجهزة بكل شيء، بقيادة آمنة، وغير متهورة، فلن استخدم النقل العام.
هذه الأمور تتطلب إعادة هيكلة شوارعنا، ولعل أكبر الصعوبات التي تواجهنا هي تخصيص مسار للحافلات، لا يستخدمه الرعناء والمراهقون، فكتف الطريق في شوارعنا، والمخصص لسيارات الطوارئ كالشرطة والإسعاف، يتطاول عليه المتهورون ويستخدمونه من غير ردع وعقوبة، وحينما أردنا حل هذه المشكلة قمنا بوضع «مطبات صناعية» لم تزد هؤلاء إلا جنونًا، بينما كان يمكننا وضع غرامة كبيرة جدًا، لأن تأخير وصول مريض في إسعاف، أو تعطيل شرطة في مهمة أمنية، يعد جريمة تستحق عقوبة كبيرة.
فلو وضعت عقوبات مالية كبيرة ومرهقة لمن سيستخدم مسارات الحافلات، لاستطعنا وضع الخطوة الأولى في طريق النجاح لمشروع نقل عام في جميع المدن، ولأصبح مشروعًا ناجحًا، مع اكتمال عناصر التأسيس من حافلات جيدة ومريحة، وسائقين أكفاء، وإدارة نشطة ومتابعة لكل صغيرة وكبيرة، وهو ما نتمنى أن يتحقق ضمن خططنا للمستقبل، ليس في الرياض وحدها، وإنما في مختلف مدننا الكبرى.