عبدالله بن موسى الطاير
الأسبوع الماضي قلت إن استمرار الاحتجاجات شهرا واحدا يمكن أن يحدث تغييرا في إيران، اليوم وبعد مضي أسبوعين على خروج الناس للشوارع تزعم الأجهزة الأمنية الإيرانية أنها قضت على ما أسمته «الفتنة»، وفي ذات الوقت يتصاعد الدعم الأمريكي -الأكثر وضوحا من غيره- المؤيد للشارع الإيراني المحتج لإبقائه نشطا بالتصريحات والقرارات العاجلة ضد كل من يسهم في قتل وتعذيب المحتجين، مع حث المؤسسات الدولية على حماية الشعب الإيراني من قمع السلطة.
الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن وقفت فيه أمريكا منفردة، فأوروبا تمارس الحياد السلبي، وروسيا تعارض التدخل في الشؤون الإيرانية والكويت ظهرت لأول مرة بخطاب محشو بكلمات سياسية لا تمسك منها موقفا مؤيدا للمتظاهرين. أي أن مجلس الأمن مع استقرار وضع إيران سواء أكانت الدولة «دينية أو مدنية».
مبررات هذه الانتفاضة توحي بمآلاتها، فقد خرج الناس إلى الشوارع تلقائيا. وزير الداخلية الإيراني اتهم البطالة التي وصلت إلى 60 % في بعض المناطق، والإعلام الغربي ألقى باللائمة على ارتفاع أسعار البيض بحوالي 40 % وهو طعام الطبقة العاملة. ويضاف إلى القائمة الإصلاحات الاقتصادية المتثاقلة، وسخط الناس من الإنفاق بسخاء على الخارج والتقتير على الداخل. أتمنى سقوط النظام وأتوقعه، وأرتاب في مقدرة الغضبة الشعبية الحالية على تحقيق هدف لم تخرج من أجله في الأساس. وإذا افترضنا تحول غايتها إلى إسقاط النظام فإن الطريق سيكون شاقا وغارقا في الدماء ويفضي إلى نتائج إذا تمسك الجيش بالحياد وحمى الشعب وحافظ على مؤسسات الدولة.
النظام يسعى لتحييد الدعم الدولي للمتظاهرين، ونجح في ذلك على مستوى الإعلام الجماهيري العربي، وعلى مستوى الدول الأوربية، ويحظى بدعم روسي غير محدود. ونشطت قوته الناعمة في الخارج في رمي المحتجين بالعمالة والخيانة من جانب، ومن جانب آخر اعتبار التظاهر وسيلة دستورية للاحتجاج وضربت الشعب بالشعب. ويدفع عملاء النظام بخطورة سقوطه على دول الجوار مع أن تلك الدول لا ترغب سقوط الدولة الإيرانية ولا في تفكيكها وإنما تتمنى كغيرها زوال نظام ولاية الفقيه الطارئ على الطائفة الشيعية ذاتها.
ما يدعو إلى السخرية أن بعض الكتبة والمفكرين العرب لم يتسامحوا يوما مع تيارات الإسلام السياسي في العالم العربي ولكنهم مع بقاء ولاية الفقيه التي تعد التطبيق الوحيد القائم لنظرية الإسلام السياسي في جانبيها السني والشيعي. لا يمكن فهم هذا الموقف سوى أنه ناتج عن جهل بحقيقة هذه الولاية التي لا تعترف بالدولة وإنما مازالت ترتدي جلباب الثورة وتشكل خطرا حقيقيا على استقرار المنطقة، أو أنه تواطئ مقصود لإنقاذ ولاية الفقيه. هذه واحدة من إفرازات الحالة الإيرانية التي يجب دراستها لمعرفة مدى تغلغل عملاء هذا النظام في مطبخ الإعلام الدولي والعربي المهاجر تحديدا.
أما الملمح الآخر الذي أفرزته هذه الاحتجاجات فهو أن النظام غير محصن وأن حاجة الناس إلى البيض والعمل كسرت حاجز الخوف وفتحت عيون الشعب على هشاشته في الداخل في مقابل قوته المزعومة في الخارج. وبذلك أرسل الشعب الإيراني برسالة واضحة للمتضررين من ولاية الفقيه لبتر أطرافه في اليمن ولبنان والعراق وسوريا.
ومع استبعاد سقوط ولاية الفقيه في هذه الجولة، فإن احتمال تكرار الجولات يزيد من فرصة الخلاص من النظام الكهنوتي. وهذه الاحتجاجات ستترك بلا شك بصمة واضحة على حقبة ما بعد خامنئي، وقد يسار إلى أن يحافظ بعض رموز النظام على مستقبلهم في السلطة بمقاربة تكتفي بوجودهم في مؤسسات بعينها داخل الحكومة مع تولي الحكومة المنتخبة مقاليد السياسة الخارجية كاملة. تلك ستكون مرحلة انعتاق أولية من قبضة الإسلام السياسي باتجاه دولة مدنية طبيعية تكتمل ملامحها عبر مرحلة انتقالية تستغرق بضع سنوات.