عبد الله باخشوين
.. في ذلك المساء أخذتنا (نهقة) الطرب والعياذ بالله من تلك (النهقة).. وهذه الكلمة التي هي لصوت (الحمار) أكرمكم الله.. كانت أمي - رحمها الله - تطلقها على من يسمع أغنية في (الراديو) بصوت مرتفع في أوقات غير مناسبة، وغالباً ما كنا نفعل ذلك أنا وأخي حسن لأن الأغنية الجميلة تأتي مصادفة وأنت تحرك (مؤشر) الراديو فتسمعها بصوت عال من شدة فرحك بالصدفة الجميلة التي أعثرتك عليها.. عندها نسمع أمي تنهرنا بصوت هادئ وهي تقول:
- جاتكم نهقة الطرب..؟!
فنخفض الصوت لا تلحق بنا صفة صاحب النهقة.
المهم أن نهقتنا تلك حبكت ونحن نسمع ناظم الغزالي المغني العراقي الشهير يقول:
له خال على صفحات خد
كنقطة عنبر في صحن مرمر
أما هذه المرة ونحن نسمع ما سمعنا بعد حلول 2018 في احتفالنا بالعام الجديد.. فقد حدقنا في وجوه بعضنا البعض بعد أن استوقفتنا كلمة (صفحات).. وقال أحدنا محتجاً:
- يا هو... صفحة خد.. مو صفحات.
وتساكسنا.. وعدنا لقاموس (الفيروز أبادي) فوجدنا أن الأقرب للمنطق والمعنى هي (صفحة)، وبمشاهدة (روافد) العربية والحوار الشيق مع الشاعر المبدع الأمير بدر بن عبد المحسن عادت بي الذاكرة لأغنية (وترحل) للمرحوم طلال مداح.. ففي مركازنا بقهوة (النور) فوجئنا بصاحبنا (فهد خضر) يدندن بصوت مسموع:
- وترحل فرختي تذبل..؟!
وهبينا فيه:
- يا واد صرختي مو فرختي
وصرخ فينا المليح:
- فرختي.. مين يراهن ؟
وأخرج الساعة من يده.. وكذلك فعل أحدنا.. قلنا:
- طيب قلنا أول أش معناها..؟!
قال المليح:
- (فرخ) الكتابة.. يبغى يكتب لها رسالة.. ومن الحزن ذبل (فرخ) الورق.
وعلى هذيك الأيام كانت الكتابة في (فروخ وزروف).
وفي مواجهة ضحكاتنا الصاخبة.. صرخ فينا:
- والله فرختي.. حتى أسالوا مبارك المعمر هو اللي قلي.
وزادت ضحكاتنا.. وقلنا:
- ومبارك أش فهمه في الشعر.. هو أحسن واحد في الطائف يلعب كورة ما قلنا لا - لكن في الشعر خلانا نضحك عليك.
لكنه أصر على رأيه.. ولأن الأغنية وقتها انتشرت وأخذت تردد على كل لسان في حالة تشبه انتشار (فوق هام السحب) التي ما زالت تردد على كل لسان منذ ظهورها لأول مرة قبل نحو ثلاثين عاماً.
قلنا طيب.. نسأل العيال اللي في القهوة.. قال.. قبول.
وأمسك به أحدنا من يده.. وأخذ يمر على (المراكيز) التي انتشر عليها عيال الطائف من بعد صلاة العشاء.. ومضى يسأل:
- بالله ياعيال أغنية طلال مداح.. وترحل.. أش تقول..؟!
وجاء الرد بالإجماع:
- صرختي تذبل..؟!
عندها أراد فهد خضر أن يتراجع عن الرهان ويستعيد ساعته.. غير أن صاحبنا الذي تراهن معه أصر على أخذ الساعة.. وهو يقول لفهد:
- يمكن أرجعها لق بكره.. بس ذحين لازم أخذها.. تعرف ليه.. عشان انته أصنج.. ولما تبغى تفتح أذنك وتسمع ما لقيت أحد تسأله إلا مبارك المعمر.. يعني عشانك تلعب معاه في نادي (ثقيف) وهو (الكبتن) صدقت كلامه..؟!
وبعد ذلك أصبحنا نرى المليح كل ليلة في القهوة بهدف استعادة الساعة.. وصاحبنا (يماطل).. أما في ذلك المساء.. فقد أراد أن يريحه ويريح نفسه.. فقال:
- تبغى الصراحة.. كنت طفران..
وأشار بيده لأسفل المقهى الذي يقع على سطح سوق الحراج.. وأكمل:
- بعتها.. والله ما جابت إلا عشرين ريال..؟!
التفت لنا وقال:
- أشهدوا يا عيال تراه يطلبني عشرين ريال قيمة الساعة..؟!
وتقافزنا نفرق بينهما.. ونحول دون معركة كادت تنشب.