بعد صدور التعديلات على نظام العمل بموجب المرسوم الملكي رقم م - 46 وتاريخ 05-06-1436هـ، ظهرت شتى إيجابياتها التي حققت التوازن والنجاح عبر إضفاء طابع العدالة في المصالح المشتركة بين العمال وأصحاب العمل، والفضل بعد الله يعود لتضافر جهود وزارة العمل واهتمامها في التصدي لهذا الجانب، إلا أنه على الجانب الآخر تبلورت عدد من الملاحظات التي استوقفتنا لإمعان النظر بها والبحث عن مخرجات توازن العلاقة التعاقدية ولا تضر باستتبابها بين طرفيها، الأمر الذي دفعنا لأن نتطرق في هذا المقال إلى الحديث عن تأثير تعديل المادة (75) من نظام العمل على أرض الواقع.
مما لا شك فيه أن حق إنهاء عقد العمل غير المحدد المدة ممنوح ومسموح لطرفي العلاقة التعاقدية على حدّ سواء بموجب رغبتهما وإرادتهما المنفردة، طبقًا لما أشارت إليها الفقرة (3) من المادة (74) من النظام.
الجدير بالذكر أن المادة (75) من ذات النظام أعادت تقدير مدة الإشعار الكتابي الموجه للطرف الآخر، التي يجب على الطرف المنهي مراعاتها في حال كان عقد العمل غير محدد المدة، وحيث كانت المادة المذكورة قبل تعديلها تنص على أنه: «إذا كان العقد غير محدد المدة جاز لأي من طرفيه إنهاؤه بناء على سبب مشروع يجب بيانه بموجب إشعار يوجه إلى الطرف الآخر كتابة قبل الإنهاء بمدة لا تقل عن ثلاثين يومًا إذا كان أجر العامل يدفع شهريًا، ولا يقل عن خمسة عشر يومًا بالنسبة إلى غيره».
إلاّ أن التعديل الذي طرأ على تلك المادة قد ضاعف مدة الإشعار لتكون المادة (75) تنص على أنه «إذا كان العقد غير محدد المدة جاز لأي من طرفيه إنهاؤه بناء على سبب مشروع يجب بيانه بموجب إشعار يوجه إلى الطرف الآخر كتابة قبل الإنهاء بمدة تحدد في العقد، على ألا تقل عن ستين يومًا إذا كان أجر العامل يدفع شهريًا ولا تقل عن ثلاثين يومًا بالنسبة إلى غيره».
وكون تعديل مدة الإشعار الكتابي الذي طرأ على المادة (75) آنفة الذكر، لم يعالج حال عقود العمل التي تسبق ذلك التعديل التي نصّت في بنودها صراحة على المدة النظامية للإشعار الكتابي التي تخول أحد طرفيّ العقد الحق في إنهائه خلالها، كما لم يوضح هذا التعديل مدى فاعليته في مواجهة تلك العقود السابقة على نفاذه، ولم تعالجها اللائحة التنفيذية لنظـــام العمل أو القرارات الصادر من مقام وزارة العمل، مما أحدث إشكالية لدى العمال وأصحاب العمل في اعتبــــار أي المدتين نافذة في مواجهة الطرف الآخر عند رغبة أحد الطرفين بإنهاء عقد العمل غير المحدد المدة.
إن ما جرى العمل عليه عند تســوية النزاع بين طرفي العلاقة التعاقدية وفق المظلــة العمالية، هو النظر إلى جانب مصلحة العامل الذي يعد طرفًا ضعيفًا، ناهيك عن مبادئ العدالة والإنصــاف التي تنادي بالحياد والموضوعية، إضافة إلى مقاصد التشريع في تنظيم العلاقة بين العامل وصاحب العمل.
من هذا المنطلق نتطلع لقيام وزارة العمل بوضع ضوابط ومعايير واضحة ومحددة تفصّل مدلول المادة (75) من نظام العمل فيما يتعلق بمدة الإشعار الكتابي عند الرغبة في إنهاء عقد العمل غير المحدد المدة بالنسبة للعقود السابقة على تعديل المادة (75)، كما تحدد ما يسري على عقود العمل السابقة من النصوص المعدلة على مواد النظام باعتبار قوته وإنفاذه بأثر رجعي، وما لا يسري عليها باعتبار قوة العقد وبنوده مراعاة لمصلحة طرفي العلاقة التعاقدية، وذلك للحدّ من إمكانية استغلال هذه الفجوة في النظام، ومعالجة كافة الإشكالات والآثار المترتبة عليها، حفاظًا على استقرار العدالة وسموّها.