د. خيرية السقاف
تعارف الناس على أن الضد يُظهرُ الضدَّ..
ذهبوا يتأملون في الكون فوجدوا بصيص النور يظهر في الظلمة, والنجم يتبدى في الليل,
والليل الذي لا يلتهم تفاصيل الكائنات, يأتي النهار من بعده ليجعلها جلية في أماكنها, ظاهرة للعيان بتفاصيلها,
وكذلك الخبيث في حضوره يناظره الطيِّب في قوله المرسل, أو بعمله الذي يَفْعَل..
مكنونات الخفايا تتجلَّى في وضوح الظاهر!!..
ذلك لا ريب فيه..
وكل نقيض كما قلت سابقاً, هو وجه النقيض في أدق تفاصيله, ومنتهى مآلاته!!..
حتى الخير يتجلَّى في حضرة الشر..
والشر حين يغرس أنيابه, ينتزعها الخيرُ برحمة أنامله,
الضدُّ ليس في الكائنات الكونية, وطبيعة الخلق وحدها, حيث المرء يتعرَّف وجهيها في القيظ والزمهرير, والحر والبرد, والنعيم والشقاء, والشجرة خضراء مورقة, وعجفاء يابسة, وهي قنو يسقط ثماره, أو حطب يُشْعَلُ أواره..
والبحر هادئ تنساب موجاته فيرفِد بالأحلام, ويرحل بالأماني, أو هائج يغتالها برهبته وعنفوانه..
الهواء نسمة, والهواء ريح, وكل الذي يسقيه الماء العذب في جريانه, أو يقصيه الآسن منه في ركوده..
بل الضد في الإنسان, فنقائضه كاشفة, وأضداده تتجلَّى..
في محكات هذه الوجوه يحسن بالمرء أن يمنح نفسه فرصاً للتأمل, ووقتاً للتفكُّر, قبل أن يميل بأحد ضديه, فإما أن يكون رابحاً, أو خائبا..
هذا المحك, وتلك البوصلة!!..
إن الحياة أقصر من أن يفنيها المرء في معاركة الضد المظلم في الإنسان وحده,
فالمعاركة آيلة به إلى خسارة..
لكن التعايش النابه مع كل ضد في طبيعته, يجعله رافداً له للربح.
ذلك لأن الإنسان لا يتعامل في حياته مع أمر أكثر أهمية عنده من الربح, والخسارة.
فإن ربح نفسه, والناس حيا حياة طيبة,
وإن لم يتكيّف بحكمة خسر راحته, واطمئنانه..