د.فوزية أبو خالد
لا شك أن الكثيرين يلهجون هذه الأيام بالشكر والدعاء للملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، فبعد فجيعة المجتمع في أبوية الدولة المعتادة التي بدا وكأنها خسفت بقاع المجتمع لما دون القاع وذلك نتيجة إجراءات العام الميلادي الجديد 2018 المعلنة كإجراءات ترشيد اقتصادي والمتمثلة في حزمة من القرارات العليا التي اقتضت رفع أسعار سلع أساسية وهي البنزين والماء والكهرباء مع وضع قرار ضريبة القيمة المضافة بما مقداره 5 في المائة على كافة السلع والخدمات بما فيها خدمات الصحة والتعليم الخاصة موضع التنفيذ، جاءت القرارات الملكية اللاحقة بعدها لتصحح أي انطباعات غير دقيقة عن طبيعة الحقبة التاريخية ونوع تحولاتها وعن أبوية الحكم السعودي.
فالقرارات الملكية قد جاءت مؤخرًا في وقت بدا فيه توجس المناخ الاجتماعي خيفة من انخفاض أسعار النفط وارتفاع تكلفة المعيشة مع زيادة القيمة الضريبية المضافة للسلع. بما يحتمل أن تكون الدولة قد رامت بقراراتها الأخيرة مداواة بعض جراح المجتمع كمكرمة ملكية (من طبعها الأعطيات الترضوية) وكاستجابة لصوت المواطن (استشعارًا للحاجة).غير أنها إضافة لهذا وذاك قد تكون تلك القرارات أتت أيضًا للتأكيد على استمرار نهج رعائية الدولة ورعويتها في حال شدة النفط كما في حال رخاء دخله الريعي.
وفي هذا ما يؤجل التوقعات التي ربما تكون قد قرأت في تلك الإجراءات على اعتبار أنها إجراءات ترشيدية، مؤشرًا على تغيير نهج العلاقة التواكلية والرعوية بين الدولة والمجتمع نحو نهج جديد لعلاقة رشد اجتماعي وشراكة وطنية في مسؤولية مداخيل الاقتصاد الوطني وإدارته وفي المسؤولية السياسية.
كما أن فيه ما يقطع الطريق على القراءات التي تميل في ضوء الإيقاع المتسارع لبعض المتغيرات وما يتعلق منها بقيم الحرية الفردية في مجال الحركة والترفيه إلى استنتجات مبكرة ترى فيها توجها للخروج على واحد من أعمق أعمدة الحكم السعودي وهو في نفس الوقت من أعتق وأمتن أعمدة الحكم السياسي بالخليج بكل ما شهدته بعض دوله من تحديث لبنيتها التحتية وخصوصًا في مجال صناعة السياحة والترفيه كدبي والبحرين وهو عمود أبوية الحكم.
على أن كل ما قدمته أعلاه ليس إلا إطلالة تبسيطية على حالة مركبة من تركيبة علاقة الدولة والمجتمع وتجاذبتها خاصة في لحظات التواريخ المفصلية التي تكون مشحونة بأحداث جسام على مستوى داخلي وآخر خارجي في دوائره المتعددة عربيًا وإقليميًا ودوليًا.
وهذا مع الأسف ما نحن كمثقفين وكتاب رأي في الغالب مشغولون عن أسئلته أو على الأقل ليس منا لا أفرادًا ولا مؤسسات بحثية ومعرفية كالجامعات من يتصدى له لأسباب بعضها معروف وبعضها متوجس بما يترك تفكيكه التحليلي لبيوتات البحث الغربية لتقرأه إذا كانت موضوعية قراءة لا تخلو من النظرة الاستشراقية، هذا إِذ لم تنشط في تنقيبه معاقل استخباراتية ليس لها من اهتمام إلا مصالح دولها.
غير أنني لا استطيع أن أقف في تناول هذا الموضع على أسئلته الابستمولوجية السيوسيولوجية ولا على وقفات الامتنان المستحق التي ضجت بها وسائل التواصل الاجتماعي والمجالس للموقف الملكي التعويضي لمواجهة المجتمع مع مطلب شد الأحزمة على البطون أو بمسماه الأدبي، الترشيد، دون أن أذكر بعض أسئلة ليس لي فضل كبير فيها لأنها بعض ما يهم الوطن ويشغل المواطن.
السؤال الأول هو سؤال العاملين في القطاع الأهلي. أي أنه سؤال التعويضات الموازية لتعويضات الحكومة التي يتوقعها المواطنون من العاملين في القطاع الخاص. صحيح أن الدولة تحترم حرية رأس المال الحر ولكن هذا لا يمنع من مساءلة العمل الأهلي عن واجبه في الحفاظ على الاستقرار الوطني التي تعتبر كفاية المواطن بعض من صمامات الأمان المهمة له.
السؤال الثاني هو سؤال المتقاعدين والمعالين بالضمان الاجتماعي، فهذه الفئة هي الحلقة الأضعف في سلم مواجهة الغلاء والنسبة الضريبية المفروضة لرقة حالها ومحدودية دخلها بالمقارنة لمن هم على رأس العمل.
السؤال الثالث هو سؤال أصحاب بند الأجور وموظفي العقود السنوية في القطاع الحكومي وليس الموظفين المثبتين. فهل يطالهم البدل المقدر بألف ريال شهريًا أو يلحقهم الحيف مرتين مرة بحرمانهم من مزايا الوظيفة الحكومية من تقاعد وبدلات بجانب محدودية دخلهم بالمقارنة بسلم رواتب الوظائف الثابتة ومرة ثانية بحرمانهم من تعويضات وغلاء المعيشة.
السؤال الرابع وهو سؤال الأسئلة سؤال من ليس لهم مصدر دخل على الإطلاق. فكيف يجري التعامل مع العاطلين عن العمل ومن يعانون من وجع وجوع وجرح البطالة أي كيف يتم تعويضهم أسوة بالمواطنين العاملين؟!
السؤال الخامس والأخير وهو سؤال أشك أنه يغيب عن فكر المسؤول على مستوى قيادي وإن كان يحيرني غيابه عن طروحات متخصصي المال والاقتصاد من كتاب الرأي ومن مستشاري الدولة وهو السؤال البديهي لماذا لا تكون الضريبة مثلاً بمعدل 2 في المائة على الغني والفقير كل حسب دخله فالذي راتبه ألفان يدفع 40 والذي راتبه 200 ألف يدفع أربع آلاف شهريًا بما يشكل مبلغًا كبيرا يعود على الدخل القومي بالمعدل السنوي دون أضرار بالطبقات المتقشفة ودون مساس يذكر بالطبقة المتنعمة ودون تهديد بانقراض شرائح الطبقة التي بينهما أي الطبقة المتوسطة. هذا عدا عن ضرورة ربطها أي الضريبة المقترحة بمنظومة النسبة والتناسب بين المراكز الحضرية من المدن الرئيسة الكبيرة المرفهة والأطراف من المدن البعيدة والقرى ذات التواضع في مستوى الخدمات فيها.
وهذه في حقيقتها ليست أسئلة وحسب بل مطالب أحمل أمانة توصيلها للقيادة وأمل بالتجاوب معها على أحر من الجمر.
وقفة لا بد منها مع ربيع إيران
يتعذر أيضًا على أي كاتب حر وصاحب ضمير حي ألا يتوقف في أي كلمة يكتبها هذه الأيام عن ربيع الشعب الإيراني في خروجه على انعزالية النظام الإيراني الحاكم وقمعيته وعلى تورطه العسكري في دماء جواره العربي والإقليمي. ومن حسن الحظ فقد وصلني إلكترونيًا من أحد الزملاء المهتمين والضليعين في الشأن الثقافي عربيًا وإقليميًا العدد الرابع للسنة الأولى من مجلة «إيران بوست» التي تصدر كمطبوعة جادة لمواجهة المشروع الفارسي للهيمنة على مستوى فكري وسياسي. وقد كان عددًا خاصًا ومفصلاً عن ربيع إيران. وهو بقدر ما يحتفي بهذا الربيع، فإنه خلافًا للكثير من قراءات الإعلام الغربي لا يكتفي بقراءته كمجرد حدث مطلبي اقتصادي، بل يضعه في سياقه السياسي والاجتماعي، بل الفكري الذي يرى فيه فعل مقاومة شعبي عارم لأربعين عامًا من الأحادية الانعزالية والدكتاتورية المطلقة لنظام ولاية الفقيه. والحقيقة أنه في هذه القراءة يلتقي مع بعض ما قرأته هنا بأمريكا من تحليلات وتعليقات كمثل تلك التي جاءت بأقلام إيرانية حرة كالمحامية الحقوقية شرين عبادي وأفشين لافي عضو لجنة العلاقات الخارجية للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية وأيضًا تلك التي طرحت من قبل كتاب وسياسيين أمريكيين مثل المرشح الرئاسي السابق تيد كروز الذي قال بالحرف الواحد، «شعب إيران شعب يريد الحرية ولا مجال لتحجيم انتفاضته في الغلاء المعيشي وحده». وهو بحسب المجلة نفسها ما يتفق مع رأي إليوت إبرامز الباحث في دراسات الشرق الأوسط الذي رأى أن قصر النظر للانتفاضة الإيرانية على أنها مجرد احتجاجات داخلية على الأوضاع المعيشية لا يتفق مع طبيعتها كثورة شعبية ترفض التورط الإيراني العسكري في دول الجوار وترفض الانعزالية السياسية والأحادية الفكرية والقمع. وهذا ما يجعلها ثورة شعبية ومقاومة سلمية تستحق الالتفاف العالمي من قبل كل القوى المدنية في العالم المؤمنة بحق الشعوب في أنظمة سياسية غير ديكتاتورية، تقوم على أسس ديموقراطية تكفل الحرية والعدالة والكرامة للشعوب.