عبدالوهاب الفايز
من الأمثلة لممارسات القطاع العام التي توجد الإزعاج والآلام للناس وبالتالي التذمر هو ما يخص استئجار المقرات الحكومية، وكلنا نعرف أن المستأجر هو صاحب الخيارات الأوسع في اختيار المكان الذي يخدمه ويخدم مصالح الناس ويسهل عليها أمور حياتها. في ظل التوجه لإعادة ترتيب الجهاز الحكومي وتطوير آليات عمله، بالذات ما يؤكد عليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ويعمل عليه بجد وإخلاص سمو ولي العهد، نطرح هذا الموضوع الذي يقلق الناس ويزعجها وهو: لماذا لا نضع تنظيمًا موحدًا للمقرات الحكومية التي ترغب الأجهزة الحكومية في استئجارها؟ التنظيم يفترض أن يحدد المواصفات والمتطلبات الضرورية والأساسية لراحة العاملين، ويراعي متطلبات الأمن والسلامة، ويأخذ بالاعتبار متطلبات من يتعاملون معها ويحتاجون خدماتها، وأيضًا يأخذ بالاعتبار متطلبات التشغيل والصيانة مثل استخدام الطاقه النظيفة، ووضع مرشدات استخدام المياه، وأيضًا مدى نسبة المنتجات المحلية التي استخدمها المستثمر في البناء، وهذا يلتقي مع أهداف العقود الحكومية التي تشجع شراء المحتوى المحلي.
وضع المواصفات والاشتراطات يحفز المستثمرين على بناء المقرات التي تستجيب لهذه الضوابط، وهذه يرفع مستوى البناء، ويعظم القيمة المُضافة للإنفاق الحكومي ويكافئ المستثمر المتميز. وهذه الخطوة تجعل عملية استئجار المحال تخضع لاعتبارات تحقيق المصلحة العامة لكل الأطراف، وتضع حلولاً بعيدة المدى لحاجة الحكومة للاستئجار، وهذه الحاجة لن تنته قريبًا نتيجة لاستمرار الطلب على الخدمات الحكومية، وأيضًا لعدم التطور في الخدمات الرقمية لدى بعض القطاعات.
وبما أن الأمور متروكة للاجتهاد، تبرز مشكلة تزعج الناس بشكل يومي حين مراجعة الإدارات الحكومية، إنها رحلة معاناة وهي: البحث عن مواقف للسيارات، وهذه ربما مشكلة أساسيه ليس فقط عند المقرات الحكومية، بل تمددت حتى أصبحت أحد المنغصات اليومية في الأحياء السكنية، وهذه كان بالإمكان تلافيها، خصوصًا أن مدننا تم تخطيط أحيائها وشوارعها قبل عقدين من الزمن. عدم اهتمام البلديات في المواقف ما زال مستمرًا، وحتى مع التشدد الأخير في اشتراط المواقف للمحال التجارية اتجه التطبيق إلى المسار الخطأ. أيضًا عدم إخضاع استئجار المقرات الحكومية لضوابط وآلية وطنية تنظمه وتحدد أولياته يسهم في رفع التكاليف على المال العام. وأول الخلل نراه في استئجار المقرات الحكومية على الشوارع التجارية الرئيسة، ولا مبررات عقلية لهذا السلوك الذي يترتب عليه ارتفاع التكاليف وتغليب المصالح الخاصة. هذا يوجد المعاناة المستمرة للموظفين في المراتب الوظيفية الصغرى، ويوجد المعاناة للمراجعين، وأيضًا يوجد المعاناة لسكان الأحياء الذي غدرت بهم الأنظمة فسمحت ببناء الأبراج، وهم أول من دفع ثمن الإخلال بضوابط البناء. والآن مع توسع المرور بتطبيق الغرامات على الوقوف الخاطئ برزت المعاناة للناس وللموظفين وهم الآن بين مطرقة العقوبات وسندان عدم توفر المواقف. (هكذا تضع بلادة الأنظمة وضعف تطبيقها بذرة التذمر الاجتماعي!)
من الجهة التي يمكن مطالبتها بوضع تنظيم وطني يأخذ بالاعتبار مصالح الناس وحقوق المراجعين والموظفين والسكان المجاورين للمقرات الحكومية، ويتوخى حماية
المال العام وأيضًا يكون في صالح المستثمرين. هذا التنظيم ضروري حتى لا نستمر في تعذيب الناس، ونواصل إهدار مواردنا المالية. ربما مجلس الشورى هو الجهة التي عليها المبادرة لوضع تنظيم وطني جديد لاستئجار المقرات الحكومية، فالمجلس تهمه بالدرجة الأولى تحقيق المصالح العليا للناس وللحكومة، ولعله يبادر إلى وضع هذا التنظيم، أو تطوير ما هو قائم، ثم يوكل التطبيق لمصلحة أملاك الدولة فهي الجهة التي يمكن عبرها ضبط هذه العملية مع (حوكمة) عملها لتكون أكثر شفافية وعدالة مع الأطراف جميعًا، مع إشراك جهات أخرى متخصصة في عملية التقييم والاختيار للمباني الحكومية.