عروبة المنيف
كشف نتائج استطلاعات آراء المجتمع حول العنف ضد المرأة، والذي تم بالتعاون مع المركز الوطني لاستطلاعات الرأي العام وبرنامج الأمان الأسري، بأن المنزل هو أكثر مكان تتعرض فيه المرأة للتعنيف بكافة أشكاله وبنسبة 83 %، وأن الزوج هو أبرز من يمارس العنف ضد المرأة وبنسبة 73 %، والعنف النفسي هو الأكثر انتشاراً وبنسبة 46.5 %.
يعتبر التعنيف بكافة أشكاله إهانة للإنسان الذي كرَّمه الله بالعقل، ويستغل مرضى النفوس من الذكور مكانتهم الاجتماعية في المجتمع ليمارسوا العنف ضد المرأة، فالبيت هو المكان الآمن بالنسبة لتلك النفوس المريضة، وحسب الدراسة، الزوج هو أبرز ممارسي العنف في المنزل، فالمنزل يحمي الزوج المعنِّف من عيون الآخرين حتى لا يكشفوا مرضه الخبيث إذا تجرأ ومارسه في العلن، فهو يدرك أن سلوكه المضطرب مرفوض قانونياً واجتماعياً، فلا يجرؤ على ممارسته خارج حدود المنزل.
تقف العادات والتقاليد أحياناً كسد منيع في مكافحة العنف وعلى الأخص عندما يتم ربطها بالدين، فيتم تبرير العنف الموجه للمرأة من قِبل الزوج بآيات قرآنية هي براء من تلك الافتراءات التي تدعو لضرب المرأة في حال الخوف! من نشوزها! والكل يعلم ثراء اللغة العربية التي هي لغة القرآن، ثراؤها في مفرداتها وثراؤها في معانيها، فالضرب بالآية القرآنية التي يستشهد بها مرضى النفوس في تبرير أساليبهم العنيفة لا تعني «الضرب الفيزيائي» الذي نعرفه، وقد أكد ذلك غالبية المفسرين، ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدوة حسنه، فهو لم يضرب زوجة أو أي امرأة في حياته.
استوقفني في الاستطلاع المذكور التعنيف النفسي فهو الأكثر انتشاراً 46.5 %، ويشمل أيضاً تعنيف الزوج لزوجته من خلال تهديده لها بالزواج من أخرى في كل شاردة وواردة وهو شائع لدينا، وكأن المرأة هي خادمته المطيعة وليست شريكته في الحياة، فيستطيع إبدالها بأخرى بسهولة أو جلب منافسة لها تحرق قلبها وتطفئ وهج أنوثتها وتهين كرامتها. وتكمن خطورة التعنيف النفسي في آثاره المدمرة على المرأة، ولكن قد لا يعترف به القانون لأنه غير محسوس فيصعب إثباته. وتعاني المرأة المعرضة لهذا التعنيف من الإهانات والاحتقار والشتم والكلام البذيء والتهميش وإسماعها كلاماً غير لائق ما يعمل على طمس شخصيتها وعدم ثقتها بنفسها وبالآخرين، وبالتالي عدم شعورها بالأمان، فتدمن على المهدئات أو تُؤذي نفسها، فكتم المشاعر النفسية لفترة من الزمن تتحول باللا وعي إلى معاناة جسدية تظهر على شكل أعراض جسمية «سيكوسوماتية».
يعتبر غياب الوعي القانوني لدى النساء المعنّفات من أهم أسباب انتشار ظاهرة العنف ضدهن وصعوبة كبح جماحها، فقد أشار الاستطلاع إلى أن 50 % من النساء لا يعلمن بوجود نظام للحماية من العنف والإيذاء، و61 % لا يعلمن ما هي القنوات التي يلجأن إليها للتبليغ عن تعنيفهن، ما يقودنا إلى التفكير باستحداث طرق لزرع الوعي القانوني لدى الفتيات من خلال المناهج التعليمية لتوعيتهن بحقوقهن المشروعة في الإبلاغ عن الأذى الذي يتعرضن له مهما كان نوعه، وحقهن في اللجوء للقضاء والمطالبة بعيش حياة كريمة مساوية للرجل في الحقوق والواجبات كما كلّفهن الله جلَّ وعلا.