د. جاسر الحربش
قد يكون المفكر الجزائري المرحوم مالك بن نبي معروفا ً كاسم على نطاق واسع في العالم العربي، ولكن للأسف ليس كفكر. مالك بن نبي معروف جيدا ً في فرنسا وماليزيا وباكستان وحتى في إيران أكثر مما هو معروف في العالم العربي بما في ذلك وطنه الأصلي الجزائر. لا حاجة للتعريف بسيرته الذاتية، فنقرة واحدة على قوقل تغني عن ذلك. الأهم محاولة إقناع أكبر عدد من القراء العرب للتعرف على مالك بن نبي كمفكر رائد ومقاوم شجاع لتشويه التاريخ والعرق والدين، وهو في ذلك النشاط ند كامل للمناضل الفلسطيني المرحوم إيدوارد سعيد.
الجامع بين مالك بن نبي وإيدوارد سعيد كان الإدراك العميق للافتراء المتعمد الذي مارسه الغرب على الشرق لإبقائه فريسة للدكتاتوريات العميلة المحلية، بحجة الدونية العقلانية والاندفاع الغريزي العاطفي عند الإنسان الشرقي، مقابل الرقي الفكري والحضاري عند الغربي. العنوان المستخدم للاستفادة من تلك الشرعنة للاستلاب كان الواجب الإلهي والأخلاقي على الغرب المتحضر لفرض الوصاية على الشرق المتوحش وتهذيبه.
الفرق بين إدوارد سعيد ومالك بن نبي يتلخص في أن الأول كان يقاوم بتفكيك الخطاب الغربي الموجه إلى المواطن الغربي أولا ً ثم إلى النخب الحاكمة والبيروقراطية في الشرق، وقد أدى إدوارد سعيد تلك المهمة بعمق واحترافية هزت الأكاديميات الغربية وأفقدتها الثقة في الدفاع عن إرثها الاستشراقي والاستعماري. لم يقدم إدوارد سعيد نظرية عملية لكي يستعملها الإنسان الشرقي للوقوف على قدميه، لكن مالك بن نبي فعل ذلك.
للتبسيط يقول مالك بن نبي أن مكونات وأولويات الانفكاك من التبعية ومن صنع التطور الحضاري متوفرة في كل بيئة، وهذه الأولويات هي : الإنسان كقوة عقلية إبداعية وحركية للعمل، ثم التراب (أي الأرض بما تختزنه من ثروات زراعية ومعدنية ومصادر طاقة)، ثم عامل الوقت، أي الزمن الذي يعيشه الإنسان ويجب أن يستغل على الأقل جزءا ً منه للتغيير الإيجابي في ظروفه وصنع المستقبل، بدلا ًمن استغلال كل الوقت للهو أو العبادة. مات إدوارد سعيد ولم يترك رغم تفانيه إرثا ً ثقافيا ً متحديا ً، بل إن الجيل اللاحق الذي جاء بعده أصبح قابلا ً للاستلاب والتشويه أكثر من الأجيال التي سبقته. كذلك مات مالك بن نبي ولم يحدث فكره أجيالا ً تستطيع ترتيب الأولويات لصنع مستقبلها الخاص، وما زالت الخلافات على الأولويات تسد طريق المستقبل.