د. خيرية السقاف
أعجب من الذين يحيلون الحدث الصغير إلى بالونات ضخمة يطيِّرونها,
ثم يفجرونها فتتساقط شظاياها في فضاء الأقاويل!!, والتكهنات, بل الأحكام الفردية المؤثرة في العامة من الغافلين, أو الذين لا يعلمون!!..
بينما أمثلتها تحدث في أي مجتمع بشري قابل لأن تشتعل فيه حرائق, و تسطو فيه أيد, ويغرق فيه سابح, ويقتل فيه معتد, وتنهار فيه أبنية, ويعق فيه ابن, وتنزلق فيه فتاة, وتنهار فيه جسور, وتسقط فيه طائرة, وتنفجر فيه مشادة!!..
وأخبار الصفحات المحلية في صحف العالم بكل أنواع نشرها, وسبله توافينا كل يوم بحريق في بريطانيا «يلتهم مئات السيارات في مدينة ليفربول», و»إصابة خمسة أشخاص باختناق في حريق بمستشفى بألمانيا», وآخر يندلع في مبنى سكني في إحدى كبريات مدن بريطاني في غضون أسبوع على سبيل المثل, وبحوادث مرورية يومية, ونصب وسرقة محال تجارية ومحطات وقود في أمريكا, وبانهيار عمار غير آيل للسقوط في السويد, وبسطو مسلح في شوارع في بعض مدن في الصين, وبارتكاب مفاسد في أروقة رسمية من شخصيات نافذة في فرنسا, وبريطانيا, وأمريكا, وكوريا, واليابان, وفي أي مدن كبرى, وصغرى في الدول التي هي النماذج الفذة لأصغر مثقف في مجتمعنا دون أن ترصف علامات التعجب, وتتمخض أركان الشفاه عن انزواءات الدهشة, والسخرية منها, ودون أن تتبارى الأقلام بالنقد الجارح, والجلد القاسي..
إنه في ضوء تمكُّن جميع شرائح المجتمع من نشر, ما يكتبون, أو ينطقون, أو يصورون, أو يرفعون به الصوت, فإنهم يتنفسون عن مكنون غائم, متسرع, مجاف كثيرا للحقائق, عنه يتضح أن غالبية الناس سريعو الانفعال, لديهم القدرة على الاندفاع بلا وعي, والمواجهة بلا روية, والحضور بلا حكمة, وأنهم يرتدون نظارات داكنة لا تريهم الإشراقة, بينما هي بالغة التكبير تسلطهم على الأمور الصغيرة, والحوادث الطارئة فيضخمونها في بالونة, ثم يطلقونها مزخرفة بضحكة هازئة لكنها باهتة, أو برأي غارق في التحامل لكنه سطحي لا قِوام له..
قبل تدويني لهذا المقال كنت أطالع بعض الأحداث اليومية التي تطرأ في أي مجتمع بشري في صحف الصباح العالمية, لفتني الوجه الآخر لأحداث مثيلة في مجتمعنا, وذهبت أتفكر في كيف نتفاعل معها, وكيف يفعلون هم, وجدتنا نجلد ذاتنا إن وقفنا على خبر وإن كان إشاعة, ووجدتهم في وسائلهم يشيرون إليها من باب الاطلاع, وتوثيق الحوادث اليومية لتكون مادة لتتبع ما يطرأ في الحياة اليومية, في وقت يتخذها الباحثون في الشؤون المختلفة اجتماعية, وفكرية, ونفسية, بل أمنية, وتعليمية مادة لحركتهم المستديمة نحو تطوير الأفراد, وقطاعات, ومؤسسات مجتمعاتهم, بل إننا نراهم في أفلامهم السينمائية, ومؤلفاتهم الإبداعية يستمدون من صفحات الأحداث اليومية مادة لوضع تصور لما يمكن أن تقدمه السينما كوسيلة مؤثرة, وفاعلة في الكشف عن خبايا مختلفة في الطبيعة البشرية للناس ليتفكروا, ويتأملوا, ثم ينجزوا, وربما في مكونات المجتمع, ومدى وجوه الاختلاف في تركيبته, لإضافة ما, أو لانتقال يغير للأفضل, أو لتجاوز ما عاف, أو لاستشراف قادم, بل تكون هذه الأخبار وما فيها من أحداث مادة للمحققين, وأدلة للمعالجين..
أذهب عند هذه المقارنة لأقول ليت كل من يقف على خبر, أو تصل إليه إشاعة في مجتمعنا, أن يكون أكثر روية, وأحكم سلوكا, وأرقى تفاعلا معها..
فكل بناء قابل للانهيار, وكل مراهق معرض للزلل, وكل راجل يحدث أن يسقط في بئر, وكل قائد مركبة ليس معصوما عن ارتكاب حادث, والسابحون قد يغرقون, والحرائق قد تشتعل بلا قصد, ومحطات البنزين قابلة للاشتعال دون أن يكون الحادث مخططا له, ورجل الأمن قد يخطئ فهو بشر, والابن ربما يعق وحده فالعقوق ليس ظاهرة, والمسرفون قد يسرقون, والمنفلتون قد يتجاوزون فيما يفعلون, و...
ذلك لأنها طبيعة الحياة المأهولة ببشر لا يبلغ الكمال البتة..
وهي ساقية الأحداث تدور بالحسن الطيب كما تدور بالطمي, والخشاش..
إنها أمور بشرية لا تلقى في الغالب على غير فاعليها, إن رصدت كأحداث, بهدف الإخبار في مهام الإعلام النزيه, العادل, الصادق, السبّاق, وليس لتكون مادة جلد لأفراد, وقطاعات, ومؤسسات المجتمع بعامة التي تتصل بشكل, أو بآخر بطبيعة الحدث, أو الخبر.