د. حمزة السالم
يأتي الثمن بمعنى القيمة، كقولهم «هل قبضت الثمن؟ أي القيمة» Value كما يأتي بمعنى قياس القيمة أي التسعير Pricing كقولهم «بكم ثمن هذا، ولكل شيء ثمن». ففي الإنجليزية لا يُختلط بين معنى القيمة ومعنى قياس القيمة لأنهما كلمتان مختلفتان. أما في العربية، فقد سبب وجود معنيان للفظ الثمن، خلط كبير في الفقه وفي إفهام الناس للنقود.
فلو تأملنا لوجدنا أن القيمة ليس لها اعتبار أصلي في صفات الثمن التسعيري مهما كان الثمن بدائيا، كالصخور والقمح والبهارات والحجارة، التي عملت كأثمان في فترات زمنية في بعض المجتمعات.
فالشرط المعتبر في صلاحية الشيء -المُكتسب لخصال الثمن- ليكون ثمنا، هو كونه نادرا. فمتى تحقق هذا، وأصبح الشيء مقبولا به عند المُتبادلين كثمن، حينها يصبح الشيء ذا قيمة نابعة من غير ذاته، إنما لما يُتوصل به إلى أمور أخرى.
ومثال آخر: في عام 2008 ارتفعت أسعار البترول إلى 140 دولارا للبرميل. ولم يكن السبب هو ازدياد الطلب عليه من استخدامه للإنتاج، بل للمضاربة فيه واستخدامه كأداة لحفظ الثروة بسبب التضخم وانخفاض قوة شراء العملات. فالبترول سلعة لها قيمة في ذاتها مطلوبة للاستخدام ولكن أضيف لهذا الطلب السلعي، طلب تحوطي ضد التضخم بالإضافة إلى طلب استثماري فارتفعت الأسعار. فلما ذهب داعي التحوط والفرصة الاستثمارية، عاد ثمن النفط إلى قيمته لذاته انهارت الأسعار.
ولو كانت للقيمة اعتبارية في الثمن، فالجواهر أغلى وأنفس وقيمتها لذاتها ولكنها لم تُتخذ ثمنا لأنها غير متجانسة ومتفاوتة تفاوتا شديدا وغير قابلة للقسمة.
فكون الثمن سلعة لها قيمة في ذاتها معتبرة، جعل السلع عموما -التي عملت أثمانا في فترة ما- تسقط الواحدة تلو الأخرى، كلما كانت قيمتها الذاتية أكثر اعتبارا. حتى جاء عصر نقودنا اليوم التي لا قيمة لها مطلقا في ذاتها، فحققت بذلك أعلى درجات الثمينة الغارقة في الثمينة، فهي إما أن تكون ثمنا وإما أنها لا شيء.
لذا فأهم صفات الثمن الذي كلما تحقق في الشيء غلب على غيره ليكون ثمنا، هو أن لا يكون استخدامه كثمن يؤدي لاستهلاك أصله. فهذه الخاصية هي أهم صفة تخرج النقدين عن الأصناف الأربعة الأخرى.
ثم تأتي بعد ذلك الصفات المعروفة، والتي كلما غلبت على مال، كلما استخدمت ثمنا في عصر من العصور عند قوم من الأقوام.
وحقيقة حتمية عودة ثمن الذهب ليعكس قيمته في ذاته، لا قيمة المضاربة وأساطير الناس نحوه، لعل هذا يشرح ما نراه من تسارع تتابع تخلص البنوك المركزية منه. (وأول من ابتدأ ذلك إسرائيل ثم توالت البنوك المركزية بعد ذلك). فالذهب قد تخلت عنه البنوك المركزية، إما حقيقة أو وظيفة. فترى اليوم كثيرا من البنوك المركزية لا تملك أونصة من ذهب، ومن يملك منها ذهبا، فهو ثروة عاطلة لا وظيفة لها. أما أن يكون كالبنك المركزي الأمريكي، الذهب في خزائنه مجرد عرف قيمته كتراث أعلى بكثير من قيمته السوقية، وإما كغالب من تبقى من البنوك المركزية لدول العالم الثالث -المحتفظة للذهب- فلأنها لم تفكر أصلا في المسألة، ولا تدري فيما يخوض به ابن سالم.