فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد منحه الله علماً وفكراً وحلماً وحكمة وبلاغة وعمقاً، فقد استمع الجميع إلى خطبته يوم الجمعة الموافق الثاني عشر من هذا الشهر -ذي القعدة- والتي كانت غاية في الوضوح، حيث ركز على المعاني السامية للحج وأن الحج للديار المقدسة ليس ميداناً للعصبيات المذهبية، فلا دعوة إلا لله وحده ولا شعار إلا شعار التوحيد «لبيك الله اللهم لبيك»، لا يحل لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر ان يؤذي مسلماً أو يروع آمناً فهو في حرم الله المحاط بالهيبة والتعظيم الذي لا يسفك فيه دم ولا ينفَّر فيه صيد ولا يعضد فيه شجر.
يشير فضيلته إلى الاهتمام والرعاية والعناية بالجهود التي سخرت مادياً وبشرياً والخطط التي رسمت لبرامج إعمار الحرمين الشريفين وخدمتهما وخدمة قاصديهما، وبذل كل السبل من أجل راحتهم وأمنهم بتحقيق كل الإمكانات والكفاءات والقدرات على إدارة هذه المناسبة الإسلامية العظيمة، لتقديم أفضل الخدمات وأكملها لضيوف الرحمن من غير تمييز، وهي لا تريد من ذلك جزاء ولا شكورا بل ترجو ثواب الله، ثم أداء مسؤوليتها نحو إخواننا المسلمين في مظهر إسلامي والتزود من البر والتقوى، إنها لا تمنع أحدا قصد هذا البيت مهما كان موقفه السياسي أو توجهه المذهبي، ومعاذ الله ان نصد أحدا قصد البيت الحرام ومسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بل هو محل الترحيب والإكرام.
ومن الثوابت التي أشار إليها فضيلته في خطبته ان المملكة لا تزايد على أداء المسلمين أيا كانت جنسياتهم ومذاهبهم من كل مسلم يشهد ألا اله إلا الله وان محمدا رسول الله، فهي مملكة استطاعت عبر تاريخها المجيد وعبر كل المواسم ان تتعامل مع كافة الانتماءات الإسلامية وهم جميعاً ينعمون برغد العيش وجليل الخدمة وجميل الترحاب، والكل يسهر على راحة ضيوف الرحمن.
وركز فضيلة الشيخ على ان موقف المملكة الحازم في المنع الصارم من أن يحول الحج إلى منابر سياسية تتصارع فيها الأفكار والأحزاب والطوائف والمذاهب وأنظمة الحكم مما يعني لا شك الانحراف الخطير عن أهداف الحج وغاياته، مؤكِّداً ان البلاد لا تسمح باستغلال الدين ومواسم العبادة وتجمعات المسلمين في المشاعر المقدسة لأغراض مسيسة وصرف الأنظار عن معاناة يعيشها من يعيشها ومشكلات واقع فيها صاحبها، فالفريضة المقدسة مبعدة ومنزهة عن كل هذه الأغراض، فتسييس المشاعر لن يجلب خيراً لأمتنا، والمملكة هي المؤتمنة - بفضل الله - على ضيوف الرحمن وخدمتهم ورعاية أمن الناس والمواطن والمقيم والعاكف والباد والحاج والزائر والمعتمر، وأمن المقدسات لا يسمح بأي عمل أو تصرف يعكر هذه الأجواء الإيمانية أو يضر بالمصالح الخاصة أو يمس احترام مشاعر المسلمين.
إن ابن حميد هو ذلك المعلم الفاضل المحب والمحبوب فقد كانت خطبته غاية في السمو والأهداف، فالدولة -اعزها الله- كما أشرت ممثلة في خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين ورجال الدولة والشعب الكل يبذلون الغالي والنفيس في خدمة الحرمين الشريفين وخدمة قاصديهما حجاجاً وعماراً وزواراً قربة إلى الله وشعوراً بالمسؤولية، نعم وأنا ممن عايشت عن قرب هذه الجهود لمدة تزيد على عشرين عاماً بحكم عملي سابقاً بوزارة الداخلية والمكتب الخاص لسمو أمير منطقة مكة المكرمة، عايشت هذا الاهتمام وهذه الرعاية بضيوف الرحمن، فالقيادة الحكيمة ممثلة في خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو وزير الداخلية وسمو مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة ورئيس لجنة الحج المركزية وجميع الأجهزة ذات العلاقة بالحج والحجاج، الجميع يعملون في منظومة واحدة يتابعون تنقلات ضيوف الرحمن من مكة المكرمة إلى المشاعر وفق التوجيهات الكريمة والمتابعة الدقيقة من القيادة الحكيمة التي تتابع بدقة تحركات ضيوف الرحمن منذ دخولهم من منافذ البلاد الجوية والبرية والبحرية، وما يرونه من الإنجازات الكبيرة والعظيمة في الحرمين الشريفين ويشاهدون المزيد والمزيد مما تحقق ويتحقق على أرض الواقع من إنجازات تطويرية وخدمات لراحة وسعادة الحجاج والمعتمرين والزائرين وقاصدي الحرمين الشريفين، وما على ضيوف الرحمن إلا التفرغ للعبادة واستغلال أوقاتهم أيَّاماً وساعات ودقائق لينالوا مبتغاهم من الأجر والثواب في رحاب الحرمين الشريفين.
نسأل الله ان يتقبل منهم ويتجاوز عن سيئاتهم ويمنحهم القبول يوم يلقونه. والله ولي التوفيق.