العين حق, قال النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا» أخرجه مسلم. قال النووي رحمه الله: (لا يقع ضرر العين ولا غيره من الخير والشر إلا بقدر الله تعالى وفيه صحة أمر العين وأنها قوية الضرر) وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة من العين حيث قال عليه الصلاة والسلام: (اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْعَيْنِ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ) أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني.
ومن الأمور الواقية من العين المحافظة على أذكار الصباح والمساء فإنَّها تضمن حفظ المسلم بإذن الله من كل شر وأذى وأفضل ما تعوذ به المتعوذون بسورتي الفلق والناس, ففي قراءتها حفظ للمؤمن من شرَّ ما خلق الله ومن شرِّ السحرة والشياطين ووسوستهم ومن شرِّ الحسدة وأعينهم, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا ابْنَ عَابِسٍ، أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ مَا تَعَوَّذَ بِهِ الْمُتَعَوِّذُونَ؟» قَالَ: قُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ). وهاتان السورتان كلٌّ يحفظهما وهي سهلة يسيرة ولله الحمد والفضل, وكذلك فالأذكار الشرعية الحافظة للمؤمن كثيرة, فمن قالها بوعي وتدبر لمعانيها واستحضار قلب حفظه الله, قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: (اعْلَمْ أَنَّ الْأَدْوِيَةَ الطَّبِيعِيَّةَ الْإِلَهِيَّةَ تَنْفَعُ مِنَ الدَّاءِ بَعْدَ حُصُولِهِ، وَتَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِهِ، وَإِنْ وَقَعَ لَمْ يَقَعْ وُقُوعًا مُضِرًّا، وَإِنْ كَانَ مُؤْذِيًا، وَالْأَدْوِيَةُ الطَّبِيعِيَّةُ إِنَّمَا تَنْفَعُ، بَعْدَ حُصُولِ الدَّاءِ فَالتَّعَوُّذَاتُ وَالْأَذْكَارُ، إِمَّا أَنْ تَمْنَعَ وُقُوعَ هَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَإِمَّا أَنْ تَحُولَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ كَمَالِ تَأْثِيرِهَا بِحَسَبِ كَمَالِ التَّعَوُّذِ وَقُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ) فالحمد لله الذي جعل للمسلم أذكاراً تحفظه من الشرور بإذنه سبحانه وتعالى, ومن ينظر في واقع بعض الناس اليوم يرى مدى تخوفهم الشديد من العين حتى بلغ درجة الوسوسة خوفاً منها ويحمِّلونها جميع ما يكتنفهم من عقبات أو مصاعب أو مشكلات ويَشكُّون في كثير ممن يجتمع معهم بأنَّه أصابهم بعين؛ لكلمةٍ عابرةٍ قالها أو لحضوره مجلسا جمعه به, فيقول: فلان أصابني بعينه -عينه حارَّة- وليس الكلام هنا عن الخوف الطبيعي من العين وفعل الأسباب الواقية من الإصابة بها, فقد قال يعقوب عليه الصلاة والسلام لبينه: {وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثأَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68)} [يوسف: 67، 68] قال الإمام السمعاني رحمه الله: (أَكثر الْمُفَسّرين على أَنه خَافَ الْعين: لِأَنَّهُم كَانُوا أعْطوا جمالا وَقُوَّة وامتداد قامة، هَذَا قَول ابْن عَبَّاس وَغَيره من الْمُفَسّرين). فالخوف الطبيعي من العين إذا كان مظنة الإصابة به لا مرية فيه, كما يشرع للمسلم عند الخوف من العين أن يستر محاسن ما عنده, قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: (وَمِنْ عِلَاجِ ذَلِكَ أَيْضًا وَالِاحْتِرَاز مِنْهُ سَتْرُ مَحَاسِنِ مَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ الْعَيْنُ بِمَا يَرُدُّهَا عَنْهُ، كَمَا ذَكَرَ البغوي فِي كِتَابِ «شَرْحِ السُّنَّةِ»: أَنَّ عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَى صَبِيًّا مَلِيحًا فَقَالَ: (دَسِّمُوا نُونَتَهُ؛ لِئَلَّا تُصِيبَهُ الْعَيْنُ) ثُمَّ قَالَ فِي تَفْسِيرِهِ وَمَعْنَى: دَسِّمُوا نُونَتَهُ أَيْ: سَوِّدُوا نُونَتَهُ، وَالنُّونَةُ: النُّقْرَةُ الَّتِي تَكُونُ فِي ذَقنِ الصَّبِيِّ الصَّغِيرِ) . ا.هـ.
أما الخوف الشديد من العين والوسوسة وكثرة التفكير في ذلك, فهذا يجب معالجته, وقد يصل به الحال إلى أن يرى في منامه الأحلام المزعجة المخيفة التي هي من حديث النفس أو من تحزين الشيطان؛ ليكدر بها على المؤمن ويُدخل عليه الحزن والهم وضيق الصدر, فيعيش عيشة الأوهام والخوف, وإنَّ من أنفع الأدوية في ذلك كثرة الذكر والصدقة والإحسان إلى الناس والمحافظة على الأوراد الشرعية والإلحاح في الدعاء في أوقات الإجابة.
إضاءة: أذكِّر المبتلى بالوسوسة والخوف الشديد من العين بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللهُ عَلَيْكَ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللهُ عَلَيْكَ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَاعْلَمْ أنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخرجه مسلم في كتاب السلام, باب الطب والمرض والرقى برقم (2188).
شرح النووي على مسلم (14/ 174).
أخرجه ابن ماجه في كتاب الطب, باب العين, برقم (3508) والحاكم في المستدرك في كتاب الطب برقم (7497) وصححه وقال على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وصححه الألباني في الصحيحة برقم (737).
أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن عابس رضي الله عنه برقم (15448) والنسائي في كتاب الاستعاذة برقم (7792) وابن أبي شيبة برقم (558) وصححه الألباني في الصحيحة برقم (1104).
زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 167).
تفسير السمعاني (3/ 47).
زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 159) وانظر شرح السنة للبغوي (12/166).
أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن عباس رضي الله عنهما برقم (2803) والترمذي في أبواب صفة القيامة برقم (2516) وصححه الألباني في مشكاة المصابيح برقم (5302).
** **
- خطيب جامع بلدة الداخلة في سدير