د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
على الرغم من أنه لا يوجد نموذج عالمي لدولة الرفاهية، بل هناك نماذج مختلفة في غاية الاختلاف لدولة الرفاهية في دول عديدة، إلا أنه يمكن العثور على عدد من المميزات المشتركة بين معظم دول الرفاهية، تلبي الاحتياجات المختلفة لمواطني الدول.
لا يمكن اعتبار وجود دولة رفاهية وفقًا لبنية اقتصادية واسعة فحسب، بل يتطلب ذلك أيضًا وجود نظام محاسبي دقيق؛ وذلك من أجل أن يلبي الاحتياجات الأساسية لمواطنيها لتحقيق ضمان الأمن الاجتماعي، من خلال توفير دخل ثابت، وتغذية ورعاية طبية وتعليم وسكن وعمل وخدمات رفاهية لكل مواطنيها؛ من أجل تقليص الفجوات الاجتماعية إلى حد معين.
تم ربط تطور دولة الرفاهية في القرن العشرين بالدرجة الأولى بالأزمة الاقتصادية التي أصابت كل الدول الصناعية في ثلاثينيات القرن الماضي. وركزت خطط الرفاهية بشكل أساسي على الشريحة العاملة باعتبار أن الخطط الاقتصادية التقليدية غير قادرة على حل أي أزمة اقتصادية، ووضعت أسس دولة الرفاهية في دول عدة، إما على هيئة برنامج (نيو ديل) الذي بادر إليه فرانكلين روزفلت في الولايات المتحدة، أو على هيئة إطار مفهوم (بيت الشعب) في السويد.
الشعور بالمصير المشترك يسعى نحو خلق مجتمع أفضل، وإيجاد أرضية مواتية لمأسسة دولة الرفاهية. كما زعم كينز بأنه ينبغي على الحكومة بواسطة ميزانيتها أن تضمن التشغيل التام حتى يمكنها التوصل إلى استقرار السوق من خلال النمو الاقتصادي المتواصل.
دولة الرفاهية المعاصرة تنشط في بيئة اقتصادية تختلف كلية عن دولة الرفاهية في الماضي؛ بسبب أنها تمتاز بالعولمة والترابط المشترك المتزايد، وبنمو اقتصادي عالمي بطيء، وبتغيرات عميقة في سوق العمل.. فقد طالت عملية الخصخصة أيضًا مجالات الرفاهية؛ وهو ما أدى إلى انتقال جذري في مجال تزويد خدمات مختلفة ومتنوعة إلى أيدي جهات مختلفة، تعمل في السوق الحرة.
تعمل دولة الرفاهية على تقليص التفاوت الاجتماعي، وحماية الطبقة الوسطى والدنيا؛ لأن توسع التفاوت الاجتماعي يضر بالاقتصاد؛ إذ يضعف القوة الشرائية للطبقات المتوسطة والدنيا؛ فيضعف الطلب والاستهلاك؛ وينتج الانكماش.
مرَّت دول الخليج بطفرتين نفطيتين منذ السبعينيات. وفي عام 1998 فاجأ الملك عبد الله بن عبد العزيز عندما كان وليًّا للعهد قمة مجلس التعاون الخليجي التاسعة عشرة في أبو ظبي بقوله «إن زمن الرفاهية قد ولى»، داعيًا إلى تغيير وظائف الدولة. ولم يتم ترجمة التقدم الاقتصادي الناجز بسبب الطفرة النفطية الثالثة في السنوات الأخيرة عندما وصلت قيمة البرميل إلى 144 دولارًا للبرميل، التي حجبت كثيرًا من التحديات والإصلاحات، لكن انخفاض أسعار النفط في منتصف 2014 إلى 37 دولارًا للبرميل - وحسب وكالة الطاقة - خسرت أوبك بسببه في العام نفسه 500 مليار دولار.
وجدت دول الخليج أهمية توظيف الطفرة الاقتصادية باتجاه تفعيل عملية التصنيع التي تعد مدخلاً أساسيًّا لإنتاجية المجتمع، وإيجاد فرص عمل متنامية، بجانب تفعيل بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى، وخصوصًا أن الثروة النفطية ناضبة، ولا يمكن أن تستمر دول الخليج معتمدة على قطاع النفط كقطاع أحادي غير منتج، أو تكتفي بإنتاج مواد أساسية فقط، لا تنتج قيمة مضافة عالية.