د.ثريا العريض
على أبواب الإجازة المدرسية المعتادة بين الفصلين نتحاور عن خيار وموقع قضاء أيامها في الوطن بدلاً من الهرولة المعتادة للسفر المكلفة في أوضاعنا الاقتصادية الحالية. ويتطرق الحوار الى موضوع إدخال نشاط السينما والمسرح محلياً في مجتمعنا اليوم, وتختلف الآراء والمواقف حول كون القرار إيجابياً بناء, أو يصنف سلبياً من منطلق باب سد الذرائع لأنه قد يحمل شروراً ضمنية.
شخصيا أنا مع التعرف على كل إمكانيات الوطن وتشجيع قدرات ومواهب المواطنين في شتى المجالات, ولكني أتفهم توجس المتخوفين مما يتوقعونه بناء على ما يصل إليهم من أخبار نتائج الانفلات في المجتمعات المنفتحة. أذكرهم بتأكيد خادم الحرمين الشريفين أن «لا موقع بيننا لمتطرف أو منحل». ما يعني أن قرار السماح بالترفيه المفتقد -الذي جعله التطرف محرما فقط من باب سد الذرائع والتحكم في نشاط المجتمع- هو بالفعل لصالحنا اقتصاديا و اجتماعيا سواء كأفراد أو كأسر أو كوطن. والنتائج السلبية المتخوف منها يمكن منعها, مع العلم بأن التقنيات الحديثة أدخلت كل النشاطات الفنية إلى داخل غرف بيوتنا عبر الفضائيات و أجهزة اللاب توب و الجوال.
وأنا مع قرار السماح بدور السينما والمسرح, خاصة مع إضافة شرط التخير و الانتقاء المدروس للمحتوى. وأتفاءل مرحبة بتفعيل وتمكين ذوي المواهب من الجنسين في هذا المجال سواء بكتابة السيناريو أو الإخراج أو التمثيل, وكذلك الإنتاج والتسويق كمجال يضيف إلى الدخل للفرد والدولة. هناك دول يمثل الإنتاج السينمائي والمسرحي مصدرا مهما من دخلها, ورافدا مهماً للترفيه؛ مثل هوليوود الولايات المتحدة وبوليوود الهند, وصناعة السينما في مصر. وعروض المسرح تجذب ملايين الزوار للمدن الكبرى النشطة فنياً.
في طفولتي وصباي في البحرين كان أبي رحمه الله يصطحب الأسرة إلى دور العرض لمشاهدة الأفلام. والتاريخية والدينية وبعض الاجتماعية منها كانت المفضلة. وكذلك في كل سفرة عمل أو إجازة صيفية في مدينة سبقتنا حضاريا كان يحرص ليس فقط على أن نزور معالمها الحضارية بل أن نحضر آخر ما استجد على مسارحها من مسرحيات ثقافية هادفة.
والوالد وقتها لم يكن يبحث فقط عن وسيلة لملء وقت فارغ, بل كان يؤمن بضرورة شمولية الثقافة وتوفير مصادرها للجميع. كان, رحمه الله, عمودا من أعمدة التطوير المجتمعي ثقافيا وحضاريا. وأول من أسس للنشء مدرسة وطنية على أكتاف ومساهمة المثقفين المتطوعين من أبناء الوطن والوافدين المتعلمين. وكان النشاط المسرحي والشعري والخطابي من ضمن منهجها الحديث, حيث يقوم الطلبة بتمثيل أحداث مهمة في تاريخنا كنكبة فلسطين.
اهتمامه بتطوير الثقافة وتحديث المجتمع مع الاحتفاظ باحترام الأصالة, جعل القيادة تختاره رئيساً للمجلس التأسيسي الذي عهدت إليه بكتابة أول دستور للبحرين. القيادة الرشيدة كانت تدرك وتحترم كون الثقافة مرتبطة جداً بالاستقرار الوطني و الأمن الفكري.
أتفاعل بالذات مع معاناة الأطفال الأبرياء في أجواء قاتلة لا جريرة لهم فيها. و أدرك أن الفن والترفيه ليس فقط فعاليات لتزجية الوقت أو لتوفير مصدر للدخل الوطني والفردي. هي احتياجات فطرية وحق من حقوق الإنسان. وللسينما والمسرح دور آخر مهم في التثقيف العام والتوعية.
سأعود إليه في حوارنا القادم.