نجيب الخنيزي
جميع المجتمعات (المتقدمة والمتخلفة على حد سواء) تتميز بظاهرتي الثبات والتغير، ومما يساعد على الاستمرار والثبات أو الركود ما يسمى بوسائل «الضبط الاجتماعي» ومنها العرف التقاليد، الموروث التاريخي والثقافي، الرأي العام، القانون، التشريعات، الأخلاق والتعليم، ناهيك عن تأثير قوى الممانعة والتخلف والجمود، وأصحاب الامتيازات والمصالح، الذين يستخدمون كل ما في جعبتهم من إمكانات ووسائل التضليل والإكراه والقمع المباشر (السلطوي) أو الرمزي (الاجتماعي) والذي نجد تعبيراته الفاقعة على المستويات كافة، وخصوصا ما مارسته وتمارسه جماعات التطرف، التكفير، والإرهاب في جل المجتمعات العربية/ الإسلامية على امتداد العقود الماضية.
وهناك من ناحية أخرى العوامل التي تساعد وتدفع باتجاه الحراك والتغيير الاجتماعي، يأتي في مقدمتها نمو الوعي العام، الثقافة، المعرفة، وتبلور القوى والطبقات والفئات الاجتماعية (المجتمع المدني) الحديثة ووضوح مصالحها وأهدافها، واستعدادها للدفاع عنهما، كنتاج ومحصلة لتطور القوى المنتجة، ونشوء الصناعة، والقطاعات الاقتصادية الحديثة.
كما لا يمكن إغفال الدور الذي يلعبه الأفراد والجماعات (النخب) ومدى تفاعلهم وإرادتهم وطموحهم، كما تلعب الدولة (الحديثة) غالبا دورا محوريا دافعا أو كابحا للتغير، وفي كثير من البلدان والمجتمعات ومن بينها المجتمعات العربية والإسلامية، التي تتسم بعدم تبلور أو نضج المقدمات (المعرفية والفكرية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية) الموضوعية، فإن الأفكار والبواعث الروحية (الإصلاح الديني) مارست دورا مركزيا كقوة دفع للتغيرات المنشودة في البنى الاجتماعية والسياسية والاجتماعية والثقافية المتسمة بالركود والتخلف طيلة قرون عدة. كما هو في مشروع النهضة العربية (المجهض) منذ أواسط القرن التاسع عشر.
وفي هذا الإطار نشير إلى أن الإسلام في جوهره الحقيقي، كان عاملا أساسيا في بناء الإنسان والمجتمع (دين وعبادات) روحيا وأخلاقيا من جهة، ومراعاة مقتضيات تقدم العمران والمصالح العامة (دنيا ومعاملات) من جهة أخرى.
غير أنه جرى توظيف الدين، وتحويله إلى مؤسسة دينية تراتبية خدمة للمصالح الخاصة، كما تواجدت التيارات الإسلاموية والجماعات المتشددة من كل المذاهب الإسلامية، وبدوافع أيدلوجية، واستهدافات سياسية، تصل إلى حد الإرهاب الدموي المنفلت، تسعى لفرض مشروعها وأجندتها الخاصة، قافزين على حقيقة أن الإسلام شهد أزهى وأبهى عصوره ومجده، عندما تفاعل المسلمون مع المنجزات الحضارية السابقة، كالحضارة الرومانية والفارسية واليونانية والهندية، ولم يستنكفوا التعامل مع أهل الكتاب ومن غيرهم، حيث أخذوا عنهم وأضافوا وتجاوزوا وتمثل ذلك في الحضارة العربية الإسلامية التي سادت العالم لعدة قرون. للحديث صلة