الفِرَاسة بكسر الفاء وهي من قول تفرّستُ فيه خيراً, أي رأيت فيه خيراً، دلالة على معرفة هذا الشخص, عِلمٌ نُقل عن الإغريق والروم، على أن الفراسة لم يعترف فيها علم مستقل قبل ماكتبه (أرسطو) الفيلسوف اليوناني الشهير في القرن الرابع قبل الميلاد فقط خصص لهذا العلم ستة فصول فذكر في الإنسان علامات تدل على قوته أو ضعفه على ذكائه أو غباوته على حذقه أو بلادته ولم يكتف بهذا، بل استدل على أوجه التشابه بين الإنسان والحيوان، فمن كان في وجهه ملامح أحد الحيوانات حكم بقرب أخلاقه من أخلاق ذلك الحيوان كما يدعي آنذاك، وانتشرت فراسة أرسطو في العصور المظلمة التي اجتاحت أوروبا فكان الأوروبيون أكثر الناس هوساً بهذا العلم لكنهم تمادوا فيه، وخلطوا بينه وبين الخرافات والادعاءات الباطلة, حتى أمر ملك إنجلترا (جورج الثاني) بجلد كل من يدّعي معرفة هذا العلم وفعل غيره من ولاة الأمر. حتى فقدوا الناس الثقة بعلم الفراسة واندثر وكاد يتلاشى أمره، أما العرب فقد نقلوا العلم كما جاء من الإغريق وكانوا بالجاهلية يعتقدون أشياء تعد من تبعات علم الفراسة كالقيافة والريافة والعيافة الأولى تدل على معرفة أحوال الناس من خلال جلودهم وبشراتهم والعيافة تعني تتبع آثار الأقدام. وفي الإسلام قد أشار سبحانه وتعالى إلى ذلك، قال تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} (6)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر» أخرجه البخاري.
انقسمت الفراسة في قسمين: البعض يرى أنها فكرة تخطر على الشخص بمجرد النظر له وبذلك قد يرتاح من الشخص وعدمه . والبعض الآخر يرى أنها تعتمد على قراءة تعابير الشخص ودمجها مع الاستنتاج وربط المعطيات لكي يصل إلى مبتغاه.
بالإمكان للفارس معرفة كم طول وعمر هذا الشخص؟ وكم وزنه؟ ومن أين أتى من مدينة أو قرية؟ من خلال خصلة من الفِراسة التي يطلق عليها تقصي الأثر، بالاعتماد على حساب مقدار انغراس القدم بالتراب وطول القدم وشكل القدم.
حيث تعرف الآن بالمصطلح الحديث (Physiognomy) أيضاً يمتد هذا العلم ليصل إلى الإشارات الانفعالية مثل:
عدم الموافقة كأن يضع يده على كامل فمه رافعاً بذلك عدم الاهتمام له.
الانتباه: حين ينشغل بالمِسبَحة أو بالنظر إلى التلفاز فهذا يعني أنه فقد انتباهه.
وتشابك اليدين أمام الصدر والاتكاء على مفصل الذراع (المرفق) وغالباً خلف المكتب يدل على عدم الرغبة بالكلام والشراسة وعدم المناقشة وبالرفض في كثير من الحالات. أيضاً يدخل في المحور أشكال الوجوه والأنُوف وعرض المنكبين ومساحة الصدر وأنواع المصافحة أثناء اللقاء التي لا يمكن حصرها في مقال واحد.
تساعدنا الفراسة في استدراك بعض المشكلات الخطيرة قبل أن تصل إلى نقطة اللا عودة كما في مثال هذه الحالة, لنفترض أن ابنك خالدًا شاب شبّ على الحيوية والنشاط وصاحب مظهر لائق ووجه تشع فيه الحياة، تغير شكل خالد فجأة دون مقدمات ولم نعتده الشخص الذي عرفناه، فأصبح وجهه نحيفاً بعد ماكان العكس، وأصبح غير متوازن بالحديث فهو إن تكلم لم يسكت أو بالكاد يخرج الكلمات، أيضا خالد ذو شخصية كتومة لا يظهر ما يخفي مما يصعب معرفة المشكلة، مع ملاحظة العلامات التي ظهرت أعلاه التي من المفترض أن الأغلب يعرفها, من شحوب الوجه وغياب الاتزان خلال الحديث, عند استبعاد الوعكة الصحية، بمجرد النظر له قد يكون الاستنتاج إما أن خالدًا وقع في المخدرات (المنشطات في الوقت الحالي كفانا الله وإياكم شرها) أو أنه يعاني من نكسة عاطفية, ولندعم توقعنا أكثر, نستخدم طريقة (تحليل المضمون- Content Analysis) وهي وسيلة أو أداة مهمة من أدوات البحث العلمي يستخدمها الباحث وعالم النفس وطالب الدراسات العليا في تحليل مادة إعلامية كيفياً، بطبيعة الإنسان يحب التعبير للغريب أكثر من المُعرّف، بعد الاطلاع على حساب خالد بموافقته طبعاً وليس بالتجسس ولنفرض بموقع (المُغرّد) وتحليل نوعية ما يكتب سواء كانت أدعية تختص بالشفاء أو الفرج أو الطلب أو كانت حكم ترتبط بالتجاهل أو التفاؤل، أو كانت أبيات شعرية تعبر عن الفراق أو العتاب. مع التركيز على ما يكرره دائماً بالكتابة، ومع تحديد أهمية الفقرات التي يذكرها باستمرار نستطيع الوصول إلى أكثر من النصف لمعرفة المشكلة ومن ماذا يعاني أو ماذا يريد!
بالنهاية قد لا تصدق هذه التوقعات فمعرفة الأشخاص خلال الوقت هي الكفيلة في تصنيفهم بالقائمة السوداء أو البيضاء لأنك قد تظن ويخرج عكس ما كنت تعتقد وقد تعتقد ويخرج عكس ما كنت تظن! وربما تكون الحقائق مظلومة أحياناً، لكن تبقى الحقيقة بنت الزمان!!
** **
- حاكم ملاح الرويلي