د. زايد الحارثي
أختتم قارئي العزيز رؤيتي عن نظام الجامعات الجديد الذي عُرضت مسودته من قبل وزارة التعليم قبل عدة أشهر ببعض الملاحظات التي أرى ضرورة النظر فيها حتى تسهم في تحقيق أهداف النظام الجديد للجامعات، وكذلك رؤية 2030 .
وأول هذه الملاحظات تتعلق بضرورة الاستفادة من الطاقات والخبرات المتوفرة والمعطلة لدى كثير من المتقاعدين تقاعداً نظامياً في الاستشارات والتدريس والتطوير والبحث في الجامعات. فما لاشك فيه أن كثيراً من الدبلوماسيين من سفراء ونواب وقناصل ممن تقاعدوا لديهم الكثير من العطاء والمقدرة التي يمكن أن يقدموها للجامعات الحكومية والخاصة في أقسام العلوم السياسية والإدارة والقانون والاقتصاد وغيرها، وأنا أعرف العديد منهم ممن يستطيع أن يقدم شيئاً إضافات مميزة للجامعات ليس في التدريس فحسب، بل وفي الاستشارات والمجالس المختلفة في الجامعات والكليات والمعاهد، فضلاً عن توفير كثير من المبالغ الباهظة لاستقدام متعاقدين وما يترتب على ذلك من أعباء على الجامعات نجد أن مدخلات وفوائد وثمرات هذه الكوادر لا تقدر بثمن فهي تصب مباشرة في اقتصاديات المعرفة التي هي أحد أهداف رؤية2030 والحال كذلك من العسكريين والإداريين في كافة القطاعات العسكرية والمدنية ممن يتوفر لديهم خبرات تراكمية ومعارف علمية ومهنية وفنية عالية تنسجم مع أهداف الجامعات واحتياجاتها.
وهنا أقترح على المسئولين في وزارة التعليم قبل إقرار النظام الجديد أن يفكروا في جدوى هذا المقترح، ومن ثم إضافته إلى النظام الجديد، وذلك بإضافة مواد جديدة من شأنها مزيد من المرونة لمجالس الأقسام والكليات في الجامعات في الاستفادة المباشرة من مثل هذه الكوادر الوطنية بمعايير معينة تنظمها وتقرها المجالس المتخصصة.
وقد آن الأوان لأن نستفيد من هذه الكوادر والطاقات المعطلة والتي نجد أن الكثير من الجامعات في العديد من الدول، وبخاصة المتقدمة منها تستثمر مثل هذه الخبرات والطاقات ولنتذكر هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي السابق الذي غادر الخارجية إلى جامعة هارفارد، وكذلاك كونداليزا رايس التي غادرت الخارجية الأمريكية إلى جامعة ستنافورد وغيرهم الكثير، وفي كثير من المجالات وكثير من الدول.
وأجد أن من المناسب أن أورد بحكم تجربتي في ماليزيا ملحقاً ثقافياً أن شاهدت العديد من الجامعات وخاصة الخاصة منها تزخر بكثير من الخبرات في قياداتها الإدارية أو الأكاديمية ممن عملوا في السلك الدبلوماسي أو العسكري أو المدني من المتقاعدين.
وثاني هذه الملاحظات تتعلق بوجوب إعادة التفكير في موضوع ربط توظيف الأكاديميين بحسب نظام التأمينات الاجتماعية بمعنى أن تكون عقود أعضاء هيئة التدريس سنوية، مما يضعف عامل الأمان الوظيفي للأستاذة (Job Security) وأرى أن الاعتماد الكلي على الدولة في الوظيفة كما هو معمول به في الوضع الراهن يسبب نوعا من الاتكالية وكذلك يسبب في كثير من التكاسل والتراخي لدى البعض الذين يعتقدون أنهم في مأمن من الفصل أو الاستغناء عن الوظيفة، وربما كان هذا مبرراً لكثير من الابتعاد من ناحية في التراخي في إنجاز المهام وضعف الإنتاجية ومما أدى إلى طرح فكرة الاتجاه في الاتجاه المعاكس تماماً؛ أي جعل الوظائف بعقود سنوية وهو ما أعتقد أنه يضعف الإنتاجية كذلك من حيث إضعاف الأمان الوظيفي، وعليه فإني أرى أننا إذا أردنا مضاعفة إنتاجية الأساتذة فإن السبيل إلى ذلك هو العقود الثلاثية في المرحلة الأولى أي عقود بثلاث سنوات، وفي حالة أثبت الأستاذ كفاءة والتزاما وإنتاجية فإنه بعد ذلك يمكن ترسيمه لعقد طويل الأجل بمزايا وحوافز تجعله يطمئن وظيفياً، وهذا النظام هو المعمول به في كثير من جامعات الدول المتقدمة، حيث لا وظائف دائمة ولا مؤقتة وإنما مرتبطة بالإنتاجية والإخلاص والتفاني وتحقيق أهداف المؤسسة أو الجامعة وفق معايير يتم إقرارها من المجلس الأعلى للتعليم الجامعي.
أما الملحوظة الثالثة عن نظام الجامعات فهي تتعلق بتصنيف الجمامعات بحثية وتدريبية ومهنية، وأرى أن هذا التصنيف ينقصه التوضيح الإجرائي الذي يجعل كل مصطلح أو وظيفة رئيسية للجامعة أن توزع أو تقسم مهامها البحثية أو التدريسية أو المهنية بشكل قابل للقياس والمتابعة والتقويم مع العلم أنه لا يمكن الفصل التام بين هذه الوظائف بل إن بعض الجامعات يجب أن تضمن اثنين أو جميع الوظائف أعلاه فيمكن لجامعة معينة أن تحدد وظيفتها الرئيسية بالبحثية ولكنها في نفس الوقت تقوم بوظيفة التدريس للكثير من برامجها التي تخرج للمجتمع معلمين أو مهندسين أو أطباء أو محامين أو صيادلة أو أدباء، وكذلك يمكن أن تكون وظيفة جامعة ما الرئيسية هي التدريسية ولكنها أيضاً تقوم بوظيفة البحث العلمي والمهني، وهكذا فإن الفكرة التي أرادت طرحها في شأن تقسيمات الثلاث وظائف للجامعات المعروضة في مسودة نظام الجامعات الجديد تحتاج إلى مراجعة وتوضيح وتعريف إجرائي ضمن المفهوم الاستراتيجي للتعليم الذي تتبناه رؤية 2030 حتى يمكن تبعاً لذلك متابعة وقياس وتقديم قياس تحقيق هذه الوظائف بشكل يخدم ويحقق أهداف النظام الجديد، كذلك لأن وطننا في نظري لا يزال يحتاج إلى الاستمرار في تبني الوظائف الثلاث لمعظم الجامعات لسد الحاجة ربما للعشر سنوات القادمة.
وأخيراً، فإني أود التأكيد على أن تقف وزارة التعليم في الصياغة النهائية لنظام الجامعات عند مخرجات الجامعات (outcomes) وكيف يمكن قياسها فإن موضوع المخرجات موضوع هام ويتم تداوله كثيراً في الأنظمة التعليمية أو في المحافل التعليمية أو بين المسؤولين وأولياء الأمور لأنها تعني للجميع أن مردود التعليم وما ينفق عليه يتم التطلع إليه من قبل أولياء الأمور أو المسؤولين على أنه هدف أساسي لكي يرون أبناءهم قد حصلوا على النتائج المرجوة علمياً ومهارياً وسلوكياً مما يحقق للجميع المستقبل المأمول في الوظيفة والعمل وخدمة الوطن بل وفي العلاقات الاجتماعية والشخصية الناجحة، وإنه من الضروري التنبيه إلى التفكير في هذه المرحلة، والشأن يجب أن يشترك فيه مع وزارة التعليم هيئة تقويم التعليم والتي من صميم اهتماماتها قياس وتقويم المخرجات بالإضافة للجهات ذات العلاقة الأخرى، وإذا ما تحددت هذه المصطلحات وطرق قياسها والإجراءات التي تؤدي إلى النجاح في تحقيقها في نظام الجامعات الجديد ستؤدي إلى سد ثغرة هامة، حيث إنه لم يتم إعارتها الاهتمام الكافي في النظام الجديد في نظري.
وختاماً، فإن تلك الآراء التي طرحتها بخصوص بعض المواد في نظام الجامعات الجديد هي اجتهادات شخصية من خبرة وتجربة علمية وميدانية من العمل في رحاب الجامعات طالباً وأستاذاً وباحثاً وإدارياً، وهي ليست كل شيء عن النظام الجديد، فقد تناوله غيري كثير بالقراءة والتعليق والاقتراح، ولكنني اكتفيت بما رأيت أنه جديد، وأدعو الله أن تكون ذات فائدة وتسهم في تحقيق أهداف نظام اتجاهات رؤية2030.
هذا وبالله التوفيق.