سعود عبدالعزيز الجنيدل
الكتابة، وما أدراك ما الكتابة.
حينما فكرت أن أكتب عن الكتابة نفسها، وجدت نفسي عاجزاً عن تحويل الفكرة إلى مقال أستطيع من خلاله وصف الكتابة، فبدوت حائراً، تائهاً، فما الذي يمكنني قوله أو كتابته عن هذا الموضوع، فرميت القلم جانباً على المكتب، وتهادى ليسقط على الأرض، وتسقط معه فكرتي عن الكتابة.
وفِي حال الشلل الكامل التي صاحبتني، حاولت الاستعانة بعلماء أجلاء، تناولوا الكتابة عن الكتابة ذاتها في مؤلفاتهم، التي وصلت شتى بقاع الدنيا.
شعرت بالراحة والاطمئنان لكوني عثرت على ما قد يساعدني لإتمام هذه الفكرة، وبعدما بقرت بُطُون الكتب باحثاً عما ذكر العلماء الأجلاء، عثرت على ضالتي المفقودة، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.
ولكي أصدقكم القول، رأيت ما كتب بعض العلماء المتقدمين عن الكتابة، ووصفوا الكتابة بأوصاف جميلة، ومع اختلاف تعبيراتهم، إلا أنهم أولوا الكتابة، وشأن الكتابة عناية فائقة، فقد نسب للجاحظ أنّه قال: «من صنّف كتاباً فقد استهدف، فإن أحسن فقد استعطف، وإن أساء فقد استقذف»، ويقال: «عقول الرجال في أطراف أقلامها»، كما قالوا: «لا يزال المرء مستوراً، وفِي مندوحة ما لم يصنع شعراً أو يؤلف كتاباً، لأن شعره ترجمان علمه، وتأليفه عنوان عقله»، وقال رجل من أهل المدينة كما روى ابن قتيبة في عيون الأخبار: «جلست إلى قوم ببغداد فما رأيت أوزن من أحلامهم، ولا أطيش من أقلامهم». وغير تلك النصوص كثير.
ولا أكتمكم سراً، أنني حينما تأملت ما دونه أولئك العلماء عن الكتابة وأهميتها، شعرت بقشعريرة دبت في أجزاء جسمي، كيف لا وقد عظمت المهمة، والأمانة على عاتقي.
ولو سلطت الضوء على ما قاله علماؤنا، فهم يَرَوْن أن الكاتب، فيما يكتب إنما يعرض عقله على القرّاء، لكي يحكموا على عقله، وثقافته، وعلمه، فهو كما قال الخطيب البغدادي: «من صنّف فقد جعل عقله على طبق يعرضه على الناس».
فثقافة الكاتب، واطلاعه، وعلمه، تنكشف أمام ما تخطه أنامله، فالحروف، والكلمات، والفقرات، والمقالات، والمؤلفات ...إلخ، تظهر وبجلاء واضح عقل كاتبه، ويستطيع القرّاء من خلال ما قرؤوه أن يخرجوا بحكم عن الكاتب، حتى لو لم يصادفوه يوماً في حياتهم، فيكفيهم قراءة إنتاجه، ليتعرفوا على ماهيته.
وتبقى الكتابة لغزاً أعجز الكثيرين عن اكتشاف أسرارها، وكنوزها، ولا أتصور أن الكلام عنها سيكفيه مقال أو سلسلة مقالات، ولكنها فكرة يسيرة أردت طرحها، لعل هناك من يتصدى لها! وبالنسبة لمبدئي في الكتابة، لا أعلم لم تذكرت قول غازي القصيبي رحمه الله:
إن ساءلوكِ فقولي: لم أبعْ قلمي
ولم أدنّـس بسوق الزيف أفكاري