د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
{وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}، صدق الله العظيم. تؤكد هذه الآية الكريمة الموجزة أهم مبادئ التجارة العادلة، وهو تبادل المنافع بشكل متوازٍ لكل الأطراف. وتتوعد بالويل والثبور من يستوفي حقه من الآخرين ويبخسهم حقوقهم. وتنطبق الآية على التجارة في أيامنا هذه حيث تختل موازين القوة القانونية والتجارية لصالح الشركات التجارية والخدمية على حساب المواطنين. فعقود الإذعان تفقد المواطن كثيرًا من حقوقه خاصة في قطاع الخدمات المحتكرة إما بقوة النظام أو بوكالة حصرية لخدمة تجارية عالمية. ومن منا لم يعانِ من تطفيف بعض الشركات التي تفرض الدفع أولاً والاعتراض فيما بعد.
شركة شحن عالمية كبرى تغطي جوانب المعمورة كافة وتقدم خدماتها على أعلى طراز حتى يأتي دور الوكيل المحلي فتختفي المهنية والخدمات الجيدة التي تميز الشركة الأم، حيث يُخسر الوكيل المحلي المواطن كل حقوقه التي تتقيد بها الشركة الأم في بلدانها الأصلية من حيث الضمان، أو التعويض عن التأخر، أو حتى الضياع والتلف. ومنذ ساعة وصول الشحنة إلى المطار يبدأ مشوار الاستهتار. أرسلت لنا شركة أمريكية مباشرة طرداً وصل في ثلاثة أيام ومحتواه متضرر بعض الشيء لسبب غير معروف، فأرسلنا لهم بريدًا إلكترونيًا موضحًا حالة الطرد، وجاء ردهم سريعاً: «عزيز العميل كان مفترضًا بك أن تحتاط بشراء تأمين رخيص على شحنتك، ولكننا في كل الأحول سنعوضك عن قيمتها كاملة هذه المرة، ولك أن تحتفظ بالشحنة المتضررة».
وطلبنا جهازاً من أمريكا بصفة مستعجلة أُرسل بالشحن الجوي المكلف لشركة شحن عالمية سنسميها مجازًا «إيتكس» ولها وكيل في المملكة. «إيتكس السعودية» نشاطه الأصلي لا يمت للشحن بعلاقة من قريب أو بعيد. وأرسل الجهاز في 16ديسمبر، ووصل من أمريكا إلى دبي في يومين، ومن دبي لمطار الرياض في يوم. وبدأ مشوار الاستهتار منذ توقفت الشحنة في مطار الرياض يوم سبتمبر 19. تواصلنا مع (إيتكس السعودية) وهي شركة افتراضية فقيل لنا الشحنة تحت التخليص الجمركي وقد تستغرق يومًا أو يومين. طبعًا «إيتكس السعودية» كعادة شركاتنا لها مركز اتصال لا يغني ولا يسمن من جوع، يردد على مسمع العميل الكلام ذاته كل يوم: «شحنتك تحت التخليص الجمركي، سنتواصل معك فور تخليصها». وعند رفع السماعة تسمع مباشرة تسجيل: «عزيزي العميل مكالمتك تهمنا».
للوهلة الأولى أسأنا الظن بجماركنا لاعتقادنا الخاطئ بأنها جهاز حكومي بيروقراطي مترهل يعطل عمل شركة قطاع خاص مفترضة مثل «إتيكس السعودية»، حتى اقتربت مناسبتنا وتوالت اتصالاتنا بالشركة، والرد وأحد: «شحنتك تحت التخليص الجمركي». وبعد عشرة أيام من الاتصال نصحتنا موظفة اتصال في الشركة بتخليصها بأنفسنا من الجمارك. وهنا هب لمساعدتنا مشكورًا شاب سعودي يعمل في الجمارك، وأتت الإجابة الصاعقة في 29 ديسمبر: «إتيكس السعودية» قد أضاعت الشحنة التي بها طردكم كاملة، ولذا فهم يماطلون بكم. وجدناها ملقية في ساحة المطار، والجمارك استغربت لِمَ لم يسأل أحد عن هذه الشحنة؟ وأضاف: خدمة التخليص في الجمارك السعودية تطورت كثيرًا ولا تتجاوز ست ساعات على أقصى حد، وهناك خدمة تخليص الشحنة في الجو قبل أن تصل إذا ما كانت شركة الشحن مهتمة بالعميل. هذا الوضع خالف الاعتقاد السائد أن الشركات الخاصة لدينا بعمالتها الأجنبية تقدم خدمات أفضل من المؤسسات السعودية العامة التي يعمل بها شبابنا السعودي.
انتهت مناسبتنا قبل استلام شحنتنا التي خلصها صديقنا من الجمارك، وبعد التخليص بأربعة أيام استلمناها بعد متابعة دقيقة في 4 يناير، أي بعد 16 يوم انتظار في المطار. ثم توالت القصص المحزنة من خدمات هذه الشركة: فساتين زفاف جلبت من الخارج وضاعت ولم تصل إلا بعد الزفاف، أدوية مهمة لأمراض حرجة تُركت في الشمس حتى فسدت، وثائق مهمة وصلت متأخرة لأصحابها، وهلم جرًا. وتم توصيل الشحنة، ومعها فاتورة مضاف لها 5% قيمة مضافة!! وقيمة الجمارك، ومبلغ 100 ريال «للتخليص الجمركي»!! قيمة الشحن بالطبع مدفوعة بالكامل للشركة الأم في أمريكا لتصل العميل على عنوانه دون أي تكاليف إضافية من تخليص أو توصيل. والتخليص الجمركي يكلف عادة 500 ريال للحاوية كاملة فكيف تأخذ هذه الشركة تخليص 100 ريال لكل طرد؟! فما رأي الجهة الحكومية التي رخصت لهذه الشركة بخدمات كهذه؟ وهل من جهة تحفظ حق المواطن هنا في التعويض أو الضرر؟ وهل نسمع طرحاً مستقبلياً لهذه الشركة في سوق الأسهم بمبالغ خيالية فيما بعد؟