رجاء العتيبي
كل ما يُقال عن الصحف الورقية يمكن أن نقبله, ولكن لا أتوقّع أحداً يقبل خسارة (مليار ومائتا ألف ريال) تمثِّل حجم رأس مال الصحف الورقية المحلية مجتمعة حسب تصريح الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير جريدة الجزيرة قبل أيام لقناة العربية.
ويمكن أن نقبل الخسارة في عالم المال والأعمال ولكن لا يمكن لأحد أن يقبل خسارة تتم في ظرف سنتين لاستثمار عمره 50 سنة, حيث فقدت الصحف الورقية ما يقارب من ثلث رأس مالها خلال العامين 2016 - 2017, والسؤال: ماذا عن العام الحالي 2018م, وهذا ما جعل عميد الصحافة السعودية يقرع ناقوس الخطر ويطلب تدخل الدولة بأسرع وقت ممكن.
يمكن أن نقبل اختفاء الصحف الورقية في عالم التكنولوجيا, ولكن لا يمكن أن نقبل اختفاء صوت وطني وقوة سياسية ونشاط إعلامي في فترة وجيزة لمجرد أن شكلاً إعلامياً جديداً ظهر للوجود لا نعرف شيئاً عن متانته وقدرته على الاستمرار في عالم متغيّر.
أبو بشار عندما كتب مقالته التي ألهبت الوسط الإعلامي خلال الأيام الماضية لم يكتبها ككاتب مكابر بقدر ما يرى أهمية المحافظة على كيان إعلامي ليس من الهين أن ينتهي بهذا الشكل وهذا الأسلوب ويعز عليه وهو أحد رواد الصحافة أن منجزاً سعودياً عظيماً ينحسر لمجرد أن الزمن ليس زمنه حسب تعبير البعض.
موت الصحافة الورقية يعني أن قوة وطنية قد انهارت, فعندما تقارن فعلها في أزمة قطر الأخيرة ستعرف ما يعنيه خالد المالك, قوة في الطرح احترافية في العناوين تأثير سياسي عميق, يكفي ما فعلته مقالات خالد المالك اليومية المطوّلة في الأزمة وما أحدثته في العمق القطري إلى جانب جهود الزملاء الإعلاميين في الصحف السعودية الأخرى. بدءاً من رؤساء التحرير ومروراً بالمحررين وانتهاءً بمصممي الجرافيك.
إلكترونياً لا ننسى الحسابات الشخصية وكثيراً من الصحف الإلكترونية التي قدّمت مادة إعلامية مؤثِّرة في الأزمة القطرية ما جعلها تنسف (تكتيكات) خلايا عزمي بشارة المموّلة بالملايين وتقلب الطاولة عليها, كمؤشر على بروز قوة إلكترونية سعودية لا تُقهر.
دعنا من مقولة السلطة الرابعة وظهور إعلام واختفاء إعلام والمقارنات مع الإعلام الغربي, دعنا من كل ذلك إذا ما تحدثنا عن الوطن في ظل تكالب الأعداء علينا من كل صوب, ليس من مصلحتنا - على كل الأصعدة - ترك الصحف الورقية تقابل مصيرها منفردة, وتحديداً وسط هذه الظروف.
ليس بالضرورة أن تختفي الصحف الورقية حتى تظهر الصحف الإلكترونية, ما الذي يمنع أن تكون القوتين ملك يدينا وبالطريقة التي تتماهى مع العصر, لماذا هذه المقارنة دوماً حاضرة, الزمن لم يمنع (الراديو) من المنافسة رغم قدمه في ظل وجود وسائل إعلامية بصرية أكثر إثارة, ليس من الحكمة أن نفتعل (حرب الأجيال) ونروّجها تحت أي مسمى, يبقى لكل كيان إعلامي أهميته.