د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** تأسرنا بعض المصطلحات الإعلامية وإن شئتم «الإعلانية» فنلتفت إليها حين يومئُ بها فردٌ أو تنظيم، وكان يكفينا -مثلًا- أن يشاع عن كاتبٍ أو كتابٍ أنهما ممنوعان لتتصل الاستفهامات حولهما والمباحث عنهما، وعبر هذه الدائرة يتوغل جسم غريب لم يكن ممكنًا أن نعرفه لولا شارة المنع التي جعلتنا نحتفي به قبولًا أو نخفيه رفضًا، وقد استدار العالم ولم يستدر معه تفكيرنا حول المنع لنتعامل بحيادية وعقلانية كي لا نُضيع أوقاتنا فيما اكتسب أهميته من خارجه بسلطة رقيب أو تقدير سياسي أو تحفظ مؤسسة.
** لم يعد الأمر جاذبًا كما كان أو كما يكفي الناشرَ والمؤلف ومن بينهما أو معهما فظهر مصطلح «الكتب المحرمة» كي يبلغ التسويقُ ذراه، وهو مصطلح مضللٌ في اتجاهين؛ فاللجوء للمحرم وزرٌ معنويٌ يصعب احتماله ممن يريد أن يكون مقروؤُه كما مطعمه ومشربه حلالًا وقليلٌ ماهم بعدما كشفت الأحداثُ توغلَ الفساد، كما أن مطلِق التحريم ليس مؤهلًا للفتوى؛ فمصلحته العزفُ على وترٍ صاخب كي يضمن الانتشار، وهذان العاملان كفيلان بنسف نظرية التحريم لتتجاور مع انحسار نظريات التكفير والتبديع والتصنيف والتصنيم.
** القضية هنا تتجاوز وهمية المصطلح وخداعه نحو التوجيه القسري للذهن الجمعي إلى نطاقات ضيقة يشغلها «الممنوع والمحرم والجريء والسري والحصري والخاص» ويعلو بها «النجمُ والوجه والمهم والكبير» وتغلو المعادلتان بأرقام التوزيع والطبعات والقراءات والمتابعين ونحوهم حتى «يُظنَّ حسنًا ما ليس بحسن»، وتطفو على الأسطح الثقافية والمجتمعية ندوبٌ لها شكل النجوم وليس فيها ضوؤُها.
** تصطف هذه المقالة مع اتجاه يقوده بعض جماهير الوسائط الرقمية لحظر عدد ممن صاروا رموزًا فيها بعدما اكتشفوا أنْ «ما كل بيضاء شحمة» وأن الوقت المنفق على متابعة أولاء لم يُنتج سوى ثنائية «الهدْر والهذر» وما أفرزته من دوائر فراغٍ وإفراغ، ومن يتابع «الإعلام- الإعلان» المرتبط بالمشاهير -كما يُسمون- «وفي الشهرة دلالات الفضيحة لو يعلمون- سيرى كيف استغل بارزوهم «الرقم» التابع لهم في تسويق الضآلة فبدأت رحلة مريديهم باتجاه «التبرؤ» منهم على استحياء، وما الظن أنها ستقود إلى تغيير؛ فالقرارات تحتاج إلى أن يسندها الوعي الحق في التوقيت الأدق، وهما عاملان مهمان في حياتنا وليس فقط في متابعاتنا، وحين لا يتكاملان يصبح الندم حسرةً والتصحيح حسيرا.
** وهمية المصطلحات أو الاصطلاحات لا تختص بالإعلام الرقمي بل تمتد إلى شؤوننا الثقافية والمجتمعية كما السياسية والاقتصادية والتقنية، وحين نكتشف الخلل فيما فهمناه أو أُفهمناه نتساءل: كيف تأخرت محاكماتنا وأحكامنا أو لماذا تأخرت؟ وقد نجيب بأنها «مرحلية التفكير» التي يعيشها أكثرنا في رحلة المحاسبة العُمْرية لاستعادة الوعي المفقود أو المستلب، وفيها لمن يراجع نفسه مناهجُ ومخارج.
** البراءةُ انعتاق.