ماجد البريكان
يبدو أن الصحف الورقية في المملكة وغيرها من دول العالم، أمام فرصة من ذهب، لإعادة اكتشاف قدراتها وأدواتها من جديد، والعودة مجدداً وسريعاً إلى صدارة المشهد الإعلامي، أعلم أن الكثيرين لا يؤيدون هذا الطرح، ويظنون أنني أتحدث عن تطلعات تصل إلى حد «الأحلام» غير القابلة للتنفيذ، وهؤلاء أرد عليهم: «مهلاً مهلاً».
في المملكة، لدينا مؤسسات صحافية عملاقة، بنت نفسها من الصفر، وصنعت المستحيل على مدى نصف قرن من الزمان، لتصل إلى ما وصلت إليه من مكانة.. في المملكة لدينا صحف ورقية أعلنت عن نفسها ككيانات إعلامية ضخمة، تؤثر في المجتمع، وتشكل هويته الثقافية والمعرفية، وتعلو بذائقته.. في المملكة لدينا تاريخ طويل ومشرف لصحف ورقية انطلق أغلبها من غرفة صغيرة داخل منزل «هاوي صحافة»، إلى أن أصبحت بمثابة إمبراطوريات إعلامية واقتصادية قائمة بذاتها، لها استثمارات فكرية واقتصادية معروفة للجميع.. في المملكة، لدينا كفاءات صحافية نجحت في تطويع الكلمة، وصاغت الخبر بمهارة فائقة، وصنعت «صحافة نظيفة»، دخلت منازلنا واستحوذت على احترام وتقدير القيادة والمواطنين رجالاً ونساءً، وكل من تابع مسيرتها في الداخل والخارج.. فهل يُعقل أن نهدم هذا التاريخ ونردد بعد كل هذه السلسلة من النجاحات والإنجازات، بأن صحافتنا الورقية انتهت أو في طريقها للزوال؟.
أقر وأعترف بأن هناك تحديات صعبة أمام الصحف الورقية، بسبب تراجع الدخل لديها، وزيادة التكلفة، وهو ما دعاها إلى تقليص نفقاتها إلى حد كبير، ولكنني مازلت أؤمن أن هذا ليس حلاً جيداً، وأن الحل في إيجاد «الفكرة» و»الطريقة» التي تنهض بالصحف الورقية، وتعيد إليها «بعض» المجد المفقود، وهذا ليس صعباً إذا وصفنا الصحافة بأنها «صنعة»، ومازلت أؤمن بأن الصانع الماهر موجود.
هنا لا أتحدث عن أحلام اليقظة أو عن افتراضات غير واقعية، وإنما أتحدث عن الواقع بعينه ونفسه، فـ»الإعلام الحديث»، راهن على سرعة نقل الخبر فقط عبر الأجهزة الحديثة، ولكن هذا ليس منتهى تطلعات القارئ (المتلقي)، الذي يطمح في خدمات إعلامية أخرى قادرة على جذبه وإثارة فضوله، فكل خبر وراؤه «قصة وتفاصيل» و»صنع الخبر» مهارة يمتلكها الصحفي المحترف، وهو ما ينبغي أن تراهن عليه الصحف الورقية في المرحلة المقبلة.
أعيد وأكرر بأن الصحافة الورقية مازالت ممكنة، وأن الأمر مرتبط بإيجاد «الفكرة» و»الطريقة»، ولدينا من هو قادر على اكتشافهما من جيل الصحافيين الرواد والعمالقة، ولا يخلو الأمر من دعم الدولة للصحف الورقية في هذا الوقت، حتى تتجاوز التحديات الآنية، ويا حبذا أن يكون هذا الدعم وفق رؤية وخطة شاملة لإعادة الوهج للمؤسسات الصحفية وصحفها الورقية، فهذا أفضل 100 مرة من الاعتراف بأن الصحف الورقية انتهت، ونهدم تاريخ مؤسساتنا الإعلامية العملاقة في غضمة عين.. مهلا مهلاً.