رقية سليمان الهويريني
لا أحد يسوؤه القبض على مرتش والتحقيق معه وعقابه؛ برغم مرارة وجود شخص مرتش في مجتمع إسلامي، إلا أن المفرح تعاون المواطن النزيه مع الجهات المختصة وشجاعته بالتبليغ عن مرتكبيها للقضاء على هذا المرض الخبيث الذي يزداد فينخر في جسد الأمة، وهو ظاهرة مُعيقة للتنمية، كما أنه تدمير للنزاهة في أداء الوظائف العامة. ولا تقل خطورته عن باقي القضايا الأمنية الأخرى، كالإرهاب وترويج المخدرات، وتَعُدُّ بعضُ الدول كالصين الرشوةَ جريمةً تحكم بالإعدام على مرتكبها، إذا ما ثبتت في حق موظفي الدولة.
وانتشار الرشوة في أغلب الدول العربية، ولَّدت لدى مواطنيها قناعة صعوبة القضاء عليها بسبب بطء الإجراءات الإدارية الطويلة، والبيروقراطية المتفشية في المرافق والمؤسسات، وقد يتكلف التبليغ حياة المُبَلِّغ أو القضاء على مستقبله، أو ربما يطالَب بدفع عمولات وإكراميات للموظف أو المسؤول عن تلقي التبليغات. وتلك مصيبة أخرى! وهذه التوجسات تسببت في توسيع رقعة تعاطي الرشوة، والتغافل من مخاطرها على المجتمع حتى تغير مسماها إلى أتعاب أو تسهيل أمور!
والرشوة المهلكة لا تعني الرشاوي الزهيدة التي يطلبها الموظف أو المسؤول فحسب؛ بل تتجاوزها إلى دفع مبالغ بمئات الملايين، خاصة تلك المتعلقة بالصفقات وإرساء المناقصات، أو بهدف الحصول على رخص وامتيازات!
ولئن كان السبب في ظهور الرشوة هو انعدام الضمير بما يجعل من الشخص بيئة صالحة لنمو الفساد؛ إلا أن الأمر يحتاج توعية وإرشاداً، وليت الحكومة تقر قانوناً صارماً لمحاربة الرشوة من مميزاته إعفاء الراشي المُجبَر من العقاب إذا ما بلَّغ عن المرتشي حفاظاً على حقوق الناس وحفظاً للأمانة كيلا تصبح الرشوة كالعملة المتداولة في تعاملات الناس سواء باستخراج وثائق عادية أو إبرام الصفقات الكبرى.
ومن المجدي منح هيئة مكافحة الفساد الاستقلالية التامة والصلاحيات الواسعة لإجراء عمليات التحري والكشف والتحقيق مع متعاطيها ومحاربتها والوقاية منها واجتثاثها، والحد من تأثير هذه الظاهرة السلبية على تماسك المجتمع.