د. علي بن فايز الجحني
دخل نظام الملالي في إيران في صراعات مع جيرانه العرب, ومع العالم من خلال التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومن خلال تغذية التطرف الطائفي ودعم المنظمات والمليشيات الإرهابية على كل المستويات, وفي خضم تفاقم الحرب الإعلامية, والنفسية والمقاطعة والعزلة الدولية والإقليمية لإيران, وأزمة الرهائن مع الولايات المتحدة في بدايات الثورة عندما احتجز حرس الخميني (52) أمريكيًّا مدة (444) يومًا, انتهت بالتوقيع على اتفاق الجزائر, لينطلق بعدها مسلسل فرض العقوبات عليها، وفي المقابل انتهجت حكومة الملالي في إيران سياسة تغذية الطائفية والإرهاب، بل واحتضان المنظمات الإرهابية ؛ منطلقة من إستراتيجية أسهم في بلورة أفكارها معها عملاء «عرب» من بعض رموز التيارات والتنظيمات العربية والإسلامية، ومنها بعض رموز تنظيم الإخوان المسلمين، فضلًا عن التنظيمات والمليشيات التي هي أصلًا إيرانية الفكر والأهداف، وفي مقدمتها ما يُسمى حزب الله، والحوثيون، والمليشيات العراقية وغيرها, وكانت إستراتيجيتها ذات مستويات وأبعاد مختلفة نجملها في الآتي:
أ - الدعم والرعاية الإيرانية للجماعات الإرهابية في العالم يرتكز هذا الدعم للإرهاب على التحالفات والدعم المباشر وغير المباشر للجماعات الإرهابية، وفي رأس قائمة الإرهاب: تنظيم القاعدة, وما انبثق عنه من تنظيمات إرهابية، وهذا الدعم غير المحدود محكوم بشرطين: السرية في العمل مع الإرهابيين بصرف النظر عن الفروق والاختلافات والأيديولوجية, وهو محاربة أمريكا شعارًا، ودول الاعتدال في الشرق الأوسط، وفي المقدمة السعودية ودول مجلس التعاون وبعض الدول العربية واقعًا حقيقياً. وأصبح التحالف مع الإرهابيين والطائفيين والحزبيين في المنطقة يمثل بالنسبة للنظام الإيراني ورقة ضغط ستجبر أمريكا وحلفاءها فيما بعد على الجلوس معهم على طاولة المفاوضات، وتقديم تنازلات وبالتالي الحصول على نصيب الأسد في تقاسم النفوذ والسيطرة. والعجيب الغريب أن الولايات المتحدة خاصة والغرب عامة يعرفون ذلك، ويعرفون أن هناك أكثر من سبعين عملية إرهابية كان النظام الإيراني متورطًا فيها ضدهم وضد بقية دول العالم بشكل مباشر طيلة سبعة وثلاثين عامًا، والسؤال البديهي: لماذا التغاضي عن هذا النظام الإرهابي؟ صحيح أن هنا وهناك إدانات وشجباً وجعجعة دون طحن، بيد أن ما يجري وراء الستار يثير الشكوك والتساؤلات المشروعة، ضد بعض الشخصيات والرموز التنفيذية في تلك الحكومات الغربية وسرعان ما تكتشف أبعاد اللعبة عاجلاً أو آجلاً.
وبدأت تتضح رويدًا رويدًا فصول المسرحية، وبدأ قادة الرأي، والمؤسسات العدلية والتشريعية في العالم تدرك أبعاد «اللعبة»؛ إذ قام قاضي محكمة نيويورك الجزائية «جورج دانليز» بإدراج «المرشد الأعلى» للثورة الإيرانية (علي خامنئي) متهمًا ثانيًا؛ بالإضافة إلى حزب الله (الإرهابي) بوصفه متهمًا ثالثًا في تفجيرات 11 سبتمبر التي اتهم فيها زعماء القاعدة الإرهابيون ورموزهم باعتبارهم متهمًا أول في تنفيذها. وبحسب ما تناقلته وسائل الإعلام؛ فإن قاضي محكمة نيويورك توافرت لديه أدلة مقنعة بتورط النظام الإيراني وحزب الله بتمويل ودعم تنظيم القاعدة الإرهابي قبل وبعد الحادي عشر من سبتمبر، وأن المدعين قدموا أدلة مقنعة إلى المحكمة تفيد أن إيران قدمت الدعم المادي والموارد والتسهيلات لتنظيم القاعدة لأعمال الإرهاب. واللافت للنظر هو حجم الوثائق والشهادات التي ستكشف المزيد من ضلوع النظام الإيراني في عمليات إرهابية في المنطقة والعالم بينما هي تكيل التهم لدول مجلس التعاون، وفي المقدمة السعودية وهي كما يقال «رمتني بدائها وانسلت» وما كانت لتجرؤ لولا التساهل من قبل بعض قيادات الحكومات الغربية معها. وللقارئ أن يسأل: ماذا لو ظهر قيادي عسكري عربي سني جنرال يقوم بمثل ما يقوم به الجنرال الإرهابي: قاسم سليماني الذي يقود الإرهاب والطائفية في عواصم عربية جهارًا نهارًا؟
وكما هو معروف فإن دول العالم العربي والإسلامي السنية تشكِّل أكثر من قرابة 94 % من العالم العربي والإسلامي, ومع ذلك هناك تجاهل لانتهاكات إيران للمواثيق الدولية، وحقوق المسلمين السنة بشكل خاص.
ب - الملف النووي
رأى صنّاع القرار في إيران أنه من خلال التركيز «أيضًا» على المشروع النووي يصبحون قوة إقليمية رادعة للعرب بالذات، ومن ثم فرض سياسة الأمر الواقع عليهم، وفرض السيطرة عليهم؛ ولذلك تم تحريك هذا الملف وتطويره, وبدأ مسلسل التحدي والاستعراض, والمناورات بالأنشطة الإرهابية والعسكرية والتجارب في محطات التخصيب, ومفاعلاتهم للأبحاث التي أسهم في توريدها لهم الشرق والغرب.
وبدأ مسلسل إيران مع الوكالة الدولية للتفتيش؛ ففي عام 2004م، - على سبيل المثال - منعت إيران الوكالة من ممارسة التفتيش الكامل للمواقع، وعمدت إلى تطوير الصواريخ التي تناقلت وكالات الأنباء عن إجرائها تجارب لصاروخ يسمونه (شهاب) الذي يقولون عنه: إنه يتناسب مع أغراض حمل المواد النووية، وقد بثت هذه التجارب والأخبار على وسائل الإعلام, ومنها التلفزيون الإيراني الرسمي, وانطلقت هتافات الحرس الجمهوري ومؤسسات النظام تجوب شوارع طهران مردة شعار «أمريكا الشيطان الأكبر»، وفي أغسطس 2005م قامت السلطات الإيرانية بنزع وتفكيك أختام الوكالة, وكان النظام الإيراني في كل مناوراته فيما يتعلق بالملف النووي يلجأ إلى عنصر (كسب الوقت) والخداع والتمويه من خلال العمل على تصعيد الوضع سياسيًّا وإعلاميًّا حتى يصل إلى حد الغليان، وقبل أن يوشك على الانفجار يطلب التسوية السياسية بحيث تكون تلك التسوية قد تم التحضير لها عبر القنوات السياسية والدبلوماسية الخلفية من خلال عملائه.
والحق كما قلت في المقال السابق، فإن صنّاع القرار الإيراني سيستمرون في السعي في محاولة لامتلاك السلاح النووي، وهم بهذا الإصرار لا يأبهون بالتحذيرات أو الاتفاقات، وحتى التهديدات، إنهم يحتقرون العالم، ويعتبرون مجرد حديث الغرب أو الشرق عن ملفهم النووي أو صواريخهم زفة إعلامية, وهم في حقيقة الأمر ماضون وبإصرار عجيب في تحقيق هدفهم الإستراتيجي نحو امتلاك هذا السلاح المدمر، رغبة في الهيمنة، وفرض سياسة الإملاءات على العالم العربي والإسلامي، وإشباعًا لتطلعات ثورتهم الخمينية ومطامعها الفارسية الصفوية، إلا إذا سارع المعنيون بالوقوف بحزم وقوة ضد هذا السلوك العدواني.
ج- الأذرع العسكرية والمليشياوية
لجأ النظام الإيراني إلى زرع أذرعةٍ وعملاء له بالعالم العربي، وخاصة في: العراق ولبنان وسوريا واليمن، وفي دول أخرى تحت مسميات مختلفة, تتحرّك بإيعاز من النظام الإيراني، وقد نمت إلى أن أصبحت مليشيات تعمل وتحارب بالوكالة لخدمة المصالح الإيرانية، وهو أمر لا تستطيع إيران أن تنفيه, بل إنها تعترف به, وها هو أحد قادة الحرس الثوري محمد علي جعفري يعلن عن تجهيز (200) ألف شاب مسلح في سوريا والعراق وأفغانستان وباكستان واليمن، حسبما أفادت وكالة مهر الإيرانية للأنباء. ومن هنا أصبح النظام الإيراني مصنعًا وحاضنًا ومصدرًا للإرهاب.
لقد كان مقتل بعض رموز وعملاء إيران في المنطقة أمثال: عماد مغنية، سمير القنطار، مصطفى بدر الدين، وهم قيادات إرهابية تابعة لما يُسمى «حزب الله» اللبناني المدعوم من إيران يثبت تورط إيران وأذرعتها في لبنان وفي المنطقة في قتل ما يزيد على 600 ألف مواطن سوري مع النظام السوري والمليشيات الإرهابية. وفي سوريا الآن على سبيل المثال عشرات التنظيمات الإرهابية المدعومة من إيران لقتل الشعب السوري ومنها: حركة الصابرين, حزب الله، سرايا طليعة الخرساني، سرايا عاشوراء، سرايا السماء، كتائب سيد الشهداء، أنصار الله الحوثي, فيلق بدر, لواء ذي الفقار، لواء الصادقين، كتائب حسن المجتبى، كتائب حزب الله العراقي, فيلق الوعد الصادق، حركة النجباء، سرايا المختار, لواء الحمد, لواء أسد الله الغالب، لواء الإمام علي, لواء الإمام الحسين، لواء اليوم الموعود, سرايا الجهاد، فيلق الحرس الثوري الإيراني, سرايا الدفاع الشعبي، لواء فاطميون، وغيرها ممن تتحرك بأوامر مرشد الثورة في إيران.
د - القوة الناعمة
وظَّفت إيران - أيضاً - قوتها الناعمة وسفاراتها ووسائل إعلامها وحسينياتها، ومؤتمراتها، وندواتها, وعملاءها، ومن يقال لهم: علماء المذهب، والرسميين وغير الرسميين لتعبئة الرأي العام الداخلي والخارجي تضليلًا وتهويلًا حتى قال قائلهم مبررًا شعاراتهم: «إنما وجدت مؤسساتنا في إيران لمواجهة الاستكبار العالمي، وأن هذا ما تعلموه من الإمام الحسين في كربلاء».
إن المدقق يجد أن المتضرّر من سياسات النظام الإيراني وتدخلاته في الشؤون الداخلية هي الدول العربية والإسلامية، وخاصة دول مجلس التعاون، وما شعاراته: «الموت لأمريكا» و»الشيطان الأكبر»، و»دول الاستكبار» و»العدو الإسرائيلي» إلا ذرًا للرماد في العيون.