محمد عبد الرزاق القشعمي
لعل صدور كتاب (معهد عنيزة العلمي.. ذكريات ومواقف) والذي أشرف عليه وأعده للنشر الدكتور فايز بن موسى الحربي يعيدني إلى ما كتبه المهندس عثمان الخويطر عن المدرسة الثانوية بعنيزة والتي تأسست عام 1373 هـ/ 1953م واحتفلت بتخريج أول دفعة من طلبتها قبل 60 عاما وإقامة إدارة التعليم بعنيزة احتفالا بهذه المناسبة رعاه أمير المنطقة في يوم الثلاثاء 24-1-1438 هـ وقد مثل الطلبة خريجي الدفعة الأولى- الخويطر - التي تخرجت منها عام 1959 م-1379هـ ومما قاله في كلمته: ((..كم هو جميل أن أقف بين أيديكم الليلة ليس لأني من أوائل الخريجين ، ولا أدعي أنني أفضل الطلاب بل وقفت هنا مختارا لأني أكبر الطلاب سنا في أول دفعة تتخرج من ثانوية عنيزة العريقة في عام 1959م-1379 هـ فقد كان عمري اثنين وعشرين عاما عندما التحقت بها... فقد التحقت في الصف الأول ثانوي بعد الزواج وهو الصف الأول متوسط حسب النظام الحالي..)) وقال إن تلك المدرسة هي الأولى بالقصيم بل الثانية في عموم المملكة بعد الرياض وخارج منطقة الحجاز.. وقال إن الطلاب كانوا يستلمون ((.. مكافأة مالية تبلغ 150 ريالا من الفضة. وأن تلك المكافأة القيِّمة قد أغنت بها الأهالي وشجعتهم على دفع أولادهم إلى الدراسة والتفرغ لطلب العلم, مودعين ألم الحاجة وذل الفقر..)).
هذا وقد نشر بالمناسبة معلومات مهمة عن بدايات المدرسة وعن قادتها خلال 60 عاما. ذكر منهم أول مدير وهو محمد عوض مصري الجنسية أعقبه في العام التالي أحمد سليمان المنصور ثم صالح البسام، وهكذا توالى على قيادتها حتى الآن 17 قائدا, فقال مدير التعليم بعنيزة محمد بن سليمان الفريح أن المدرسة((.. تعد من أوائل المدارس النظامية الثانوية في التعليم العام بالمملكة وضمت رجالا من أبناء الوطن أصبحوا وزراء وسفراء وقادة أسهموا في صناعة مجده..)).
كما عمل بالمدرسة من عام 1385هـ إلى عام 1390هـ المدرس الإنجليزي (جيمس مايكل بود) كمعلم للغة الإنجليزية , وكتب عن مدرسته ضمن مؤلفاته فيما بعد حيث سرد قصته بكل تفاصيلها منذ قدومه إلى عنيزة طالبا العمل مرورا بتوقيع عقد العمل بالثانوية كمعلم للغة الإنجليزية ، والمراحل التي درَّسها خلال ال5سنوات بكل تفاصيلها .تذكرت ما سبق أن ذكر لي الأستاذ إبراهيم الحجي رحمه الله والذي كان عند افتتاح ثانوية عنيزة مديراً لتعليم المنطقة الوسطى من المملكة.
وقال إنه تلقى برقية من مدير المدرسة يقول فيها إن أحد الطلاب يصر على الدراسة في القسم العلمي وأنه لا يوجد بها سوى القسم الأدبي، فأجابه بتحقيق رغبته بافتتاح قسم علمي حتى لو لم يوجد سوى هذا الطالب، وهذا الطالب هو علي الدفاع. والمعلوم أن مدينة عنيزة قد سبقت المدن الأخرى من المنطقة الوسطى في التعليم والثقافة فقد سبق أن أسس بها فرع للمعهد العلمي السعودي عام 1368هـ الموجود مقره الرئيسي بمكة وله فرع وحيد بالمدينة، لم يعمر طويلاً إذ قفل عند افتتاح المدرسة الثانوية، كما أنه قد أسس ناد ثقافي أدبي بها في أوائل السبعينيات الهجرية، وافتتح بها وزير المالية عبدالله السليمان الحمدان -أحد أبنائها- مكتبة ثقافية عامة. عام 1358هـ برعاية الشيخ عبدالرحمن بن سعدي, إضافة لكونها المدينة الأولى في المنطقة التي تأسس بها جمعية خيرية للبر. وتكوّن لها مجلس إدارة وصدر لها نظام يحدد مهامها وواجباتها وذلك في أوائل السبعينيات الهجرية. ولعلي أعود إلى كتاب معهد عنيزة العلمي والذي افتتح في 28-4-1373هـ كثاني معهد علمي يفتتح بالمملكة. بعد معهد الرياض العلمي والذي افتتح في العام السابق وقد نص الأمر الملكي على أن يكون مرتبطا بمعهد الرياض، وتصرف رواتب الطلبة والمدرسين من ميزانيته ، وقال الملك سعود في رسالته إلى الأمير فيصل: ((..فينبغي تعميد مديرية المعارف بذلك للاعتماد والتنفيذ..)) فهذا يعني أن وزارة المعارف لم تنشأ بعد أوانه يقصد مديرية المعارف بالقصيم.
وهذا لا يمكن لأن ولي العهد يمكنه تعميد وزارة المعارف لو كانت قد أنشئت!! والملفت أن عدد المتقدمين للدراسة بالمعهد في سنته الأولى 117 طالبا منهم 55 في المرحلة الثانوية و62 في المرحلة المتوسطة.
وكما يروي أحد المدرسين القادمين من مصر لعنيزة للتدريس بالمدرسة الثانوية وهو الدكتور عبدالرحمن العدوي أحد القادمين من الأزهر الشريف, قال أن المسؤول عن التعليم محمد المانع وهذا يعني أن الوزارة لم تبدأ بمزاولة عملها, وقال أنه صدر لهم الأمر بالانتقال للتدريس بالمعهد العلمي التابع لآل الشيخ, ولم يكن المعهد موجودا فطلب منهم إعلان افتتاحه واستقبال الطلاب.. إلى أن قال وفي الوقت بلغنا أن الشيخ عبدالرحمن السعدي قد عين مشرفا على المعهد من الناحية العلمية وكان تعيينه براتب شهري قدره 1000 ريال ولكن الشيخ أرسل رسالة إلى رئاسة المعاهد العلمية انه على استعداد للإشراف على المعهد حسبة لوجه الله وأنه لا يريد أن يكون له على ذلك أجر مادي.. إلى أن قال إنه كان يحضر كل يوم الثلاثاء ويخلع نعليه عند دخول الفصل أثناء الدرس ويدخل آخر الصف ويجلس فيه, وكأنه أحد طلاب هذا الفصل، ويكرر هذا العمل في أكثر من فصل.., وذكر من المدرسين زميله المصري الوحيد الشيخ محمد الجبة, والسعوديين الدكتور حمد البسام وسليمان البسام وعبدالله البريكان ومحمد بن عثيمين -الشيخ فيما بعد-.
وقال أنه وزميله المصري أحسا بالجفاء من الناس فشكيا للشيخ السعدي ذلك فطلب منهم الصبر والاحتمال فبدؤوا التدريس بمسجد (السويطي) بين المغرب والعشاء فزاد عدد الحاضرين وبدؤوا يدعونهم للقهوة وزالت الجفوة وأحبهم الجميع.
وقد تعاقب على إدارة المعهد عدد من الأساتذة وذكر منهم:
1/إبراهيم بن سليمان القاضي عام1373هـ.
2/سعد بن إبراهيم أبو معطي عامي74 / 1375 هـ.
3/ عبدالله بن إبراهيم الجلهم (مكلف) عام 1376 هـ.
4/محمد بن إبراهيم بن عبدالسلام 1377-1378هـ.
5/محمد بن عبدالله المسيطير 1379هـ.
6/سليمان بن عثمان الفالح عام 1382هـ.
7/ عبدالله بن يوسف الشبل 1383- 1391هـ .
8/ محمد بن عبدالله الحميدي 1391 – 1412هـ.. إلخ.
ومن باب الوفاء ذكر حتى الموظفين والمستخدمين الأوائل من بوابين وفراشين وغيرهم, ثم استعرض أسماء هيئة التدريس الأحياء منهم والأموات.
وبالختام لا ننسى التنافس بين أبناء عنيزة ومفاضلتهم بين المعهد الديني والمدرسة الثانوية حتى أن لكل منهما أنصاراً ومشجعين, فتحمس البعض للدعوة للمدرسة الثانوية وتعداد محاسنها ومحاولة تشجيع بعض الطلاب لترك المعهد والاتجاه للثانوية لكونها تدرس اللغتين الإنجليزية والفرنسية إلى جانب العربية بالطبع. وقد نشأ عن هذا التنافس أن عوقب البعض مما نتج عنه نقل عمل أحدهم إلى خارج المنطقة.
- كمنفى - فليت أحد الشهود يكتب عن هذه المرحلة كجزء مهم من تاريخ التعليم في بلادنا خصوصا وقد مضى على هذا الموضوع أكثر من 65 عاما عفى عليها الزمن وأصبح من حق هذا الجيل أن يعرف تفاصيل الموضوع.