د.حامد الوردة الشراري
ميزانية عام 2018 التاريخية تشمل مجموعة من المبادرات الجديدة التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد الوطني وتحقيق الاستقرار المالي وتحفيز القطاع الخاص للمساهمة في توليد مزيد من الوظائف للمواطنين لتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، والبدء بتنفيذ برامج ومبادرات الرؤية الوطنية الطموحة (رؤية المملكة 2030) التي ستسهم في تنويع مصادر الدخل الوطني، وما أعلنته هيئة الإحصاء العامة مؤخرًا عن استقرار نسبة البطالة عند 12.8%، والتخوف من زيادتها خلال مرحلة الإصلاح الاقتصادي جعلني أعود لملفاتي ومقترح كتبت تفاصيله بإسهاب لحلحة ملف البطالة من خلال إيجاد نظام متكامل لمعالجتها، معتمداً على تحليل موضوعي للإستراتيجية الوطنية للتوظيف وما قد يعتريها من معوقات التي تعتبر إطارًا مرجعيًا لمعالجة قضايا القوى العاملة والتوظيف في المملكة، مستنيرًا ببعض تجارب وقوانين دول عربية وغربية ذات علاقة بمعالجة البطالة قبل ست سنوات تقريبًا. هذا العمل خلصت منه بنتيجة أنه لا يمكن إيجاد نظام متكامل - كعصا سحرية - لحل مشكلة البطالة (العطالة)، إنما بتشخيص المشكلة بواقعية أكثر وحلحلتها بروية واضحة ومعرفة الاحتياجات الفعلية الدقيقة ومن ثم معالجتها من خلال إيجاد برامج محددة وواضحة الأهداف تعالج جزئيات المشكلة لتتكامل فيما بينها للحد من البطالة. فمن المشكلات - على سبيل المثال- التي تحتاج لمعالجة؛ العاطلين من مخرجات مؤسسات التعليم العالي نتيجة للتوسع المتسارع في افتتاح العديد من الجامعات والكليات والمعاهد في وقت متزامن دون الأخذ بعين الاعتبار حاجة سوق العمل بشكل دقيق كماً وكيفاً لغرض استيعاب أكبر عدد من خريجي الثانوية حتى أصبح ما تم قبوله بمؤسسات التعليم العالي تجاوز 90% من خريجي الثانوية آنذاك. أيضاً، هذا التوسع المتسارع في افتتاح العديد من الكليات المتخصصة كالكليات الصحية والهندسية والعلمية قد يكون فوت فرصة حصول الطلاب على جرعات كافية من المهارات الفنية بسبب عدم اكتمال التجهيزات المعملية أو عدم توفر كفاءات فنية مؤهلة لتشغيل تلك المعامل مما أنعكس سلباً على جودة مخرجات تلك الكليات. إنشاء وتشغيل الكليات المتخصصة مكلفة جدًا على الدولة وعدم استثمار مخرجاتها هو هدر لرأس المال البشري، وكلما طال تأخر حصول خريجيها على عمل هي خسارة وطنية، وقد تصبح سبباً في إحجام الطلاب عن الدراسة في تلك التخصصات النوعية مستقبلاً والتي تعتبر ركيزة أساسيلتنمية اقتصاد أي بلد. في الآونة الأخيرة، كثر الحديث عن بطالة خريجي هذه الكليات كالمهندسين وأطباء الأسنان الذي هو مؤشر خطير في ظل وجود كم هائل من الأجانب الذين يعملون في تلك المهن. في السابق كان التركيز على توظيف أصحاب المؤهلات الدنيا وأصحاب بعض التخصصات النظرية التي لا توجد لها حاجة في سوق العمل وعدم التدخل في توظيف أصحاب المهن العالية (الهندسية، والصحية، والعلمية) لعدم وجود مشكلات في حصولهم على وظائف مناسبة وبرواتب مجزية. أسباب بطالة أصحاب هذه المهن العالية متعددة منها عزوف البعض عن العمل في المدن الطرفية، نقص في الفرص الوظائف المناسبة لهم، ضعف الرواتب والحوافز في القطاع الخاص، وتدني التأهيل ...الخ. إن معضلة عدم توفر المهارة والخبرة الكافية عند الخريج قد تكون مبرراً مقنعاً لإيصاد القطاع الخاص الأبواب أمامهم في سوق عمل يبحث عن الربح من خلال إنتاجية عالية وتقديم خدمات ذات جودة عالية منافسة ويعول عليه الكثير لتنمية اقتصاد البلد في إطار الرؤية الوطنية.
هناك جهود وإجراءات كثيرة منها ما أتُخذت للحد من البطالة مؤخرًا كقرار وزير الصحة بإيقاف استقدام أطباء الأسنان، وذلك بالتنسيق مع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وكذلك برنامج «تمهير» الذي أطلقه صندوق تنمية الموارد البشرية (هدف) الذي هو برنامج عام يهدف للتدريب على رأس العمل موجه لخريجي وخريجات الجامعات لإكسابهم الخبرات والمهارات اللازمة للانخراط بسوق العمل. بعض الحلول التقليدية والمؤقتة قد لا تناسب المتغيرات الحالية في سوق العمل ولا تواكب مرحلة التحول من قتصاد ريعي يعتمد على النفط إلى اقتصاد استثماري إنتاجي يعتمد على الإنسان وتوظيف الموارد، وقد يترتب على ذلك آثار سلبية تضر بالمصلحة العامة. لذا، قد يكون من المناسب إيجاد حزمة من البرامج الخاصة أو التخصصية الموجهة لإعادة تأهيل كل فئة من أصحاب المهن العالية (الصحية والهندسية والعلمية) ممن تجاوزوا ثلاث سنوات - مثلاً- على تخرجهم دون عمل يشترك في إنجازها مؤسسات القطاع العام والخاص العملاقة وصندوق تنمية الموارد البشرية والهيئات المهنية كالهيئة السعودية للمهندسين والهيئة السعودية للتخصصات الصحية مع توفير الدعم المالي المناسب، وبمنهج ابتكاري وتفكير خارج الإطار الحالي لمعالجة البطالة.
هذا البرامج التخصصية المصممة وفقًا لمعايير مهنية دقيقة وآليات واضحة تعظم الفائدة من الشباب التي استثمرت فيهم الدولة من خلال إعادة تأهيلهم بطرق احترافية للحد من البطالة، وتدعم توجه هيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة في إيجاد حلول متكاملة تسهم في استدامة توليد الوظائف ومكافحة البطالة، وقد تكون هذه البرامج أحد الأذرع الرئيسة التنفيذية لتحقيق أهداف الهيئة، وفي الوقت نفسه تحد من تأثير برامج التحول الوطني الاقتصادية الإصلاحية، وتحقق جزء من أهداف إستراتيجية التوظيف السعودية خاصة في المدى القصير والمدى المتوسط. والله من وراء القصد...