عمر إبراهيم الرشيد
التاريخ سجل الزمن ومعلم مهيب يلقي دروسه العظام لمن يحسن الإصغاء ويقرأ ما وراء أحداثه، عدا عن أن استحضار التاريخ بين فترة وأخرى وإعادة قراءته وعرضه للأجيال ضرورة وجودية، فما يعرفه ابن السبعين عاما لا يتوفر لابن العشرين ولا لمن بينهما. بعث لي الدكتور خالد القيق الشمري مشكوراً رسالة ضمنها دهشته من حجم مشاركة الجيش العربي السعودي في حرب فلسطين عام 1948م وعدد شهدائه، كما تطرق إلى التعتيم الإعلامي المتعمد على مساهمات المملكة في خدمة قضية العرب الأولى ودعم صمود أبناء فلسطين في الداخل والخارج. والدكتور خالد أكاديمي محاضر في كليات الحقوق والإعلام في الجامعات الفلسطينية، ومستشار نقابة الصحفيين الفلسطينيين، حاصل على الدكتوراه في القانون الجنائي من جامعة القاهرة. عبر الدكتور خالد وبكل أريحية عن رغبته في إنتاج فلم وثائقي عن مساهمة الجنود السعوديين في حرب 1948، ودور المرحوم بإذن الله فهد المارك المناضل وصاحب القلم ومؤلف كتاب (من شيم العرب) وغيره من كتب السير والأدب الرصين. مما أوحى لي بتخصيص مقال هذا الاثنين عن هذه الرسالة النبيلة من أكاديمي عربي فلسطيني ضمنها إشادته بالمملكة قيادة وشعباً، بعيداً عما تغص به مواقع التواصل من نعيق وجعير إن علا على أصوات العقل والرشاد، فلن يغلبها ولن ينتج شروى نقير، وهذا ينطبق على كل جاهل أو منحرف عن جادة الصواب أيا كان وأينما عاش، كما كتبت وكتب غيري من قبل.
يجنح صاحب الحق أحياناً إلى الصمت ترفعا عن الرد على نعيق هنا أو جعير هناك، إنما يدرك الحكيم أن الحديث والإفصاح والجهر بالحق واجب حين تظن العصافير أنها غدت صقوراً، كما قال صفي الدين الحلي:
إن الزرازير لما قام قائمها
توهمت أنها صارت شواهينا
لذا فلابد لكل قضية أو إنجاز أو أمر ذي شأن أن يمتلك صوتاً جهوراً رصينا، ذلكم هو الإعلام بكافة وسائطه ووجوهه، والفلم الوثائقي أحدها ومن أبلغها تأثيراً، ودعم الدكتور خالد وأمثاله خدمة مزدوجة فهي دعم لمواقف المملكة منذ عهد المؤسس رحمه الله وحتى اليوم تجاه قضية العرب الأولى ونضال الشعب الفلسطيني، ودعم كذلك للقضية نفسها بإجلاء تاريخ الاحتلال الصهيوني منذ بدايته. هذه دعوة أوجهها إلى وزارة الثقافة والإعلام لدعم هذه المبادرة من قبل أكاديمي عربي فلسطيني، وكذلك إلى كل من لديه وثائق وصور وغيرها وكل قادر على الدعم أيا كان لإنجاح هذا الفلم. وبما أننا مقبلون على إعادة افتتاح دور السينما في المملكة قريباً، فلا أجمل من إنتاج مثل هذه الأفلام لعرضها في دور السينما في المملكة والوطن العربي والمهرجانات السينمائية، وليستفيد منها الجانبان السعودي والفلسطيني أكاديمياً وثقافياً وفنياً، عبر إشراك الكوادر والمختصين من أكاديميين وكتاب وممثلين وسينمائيين في هذا المشروع، والله من وراء القصد وليرعاكم بكريم عنايته.