عبده الأسمري
تفيأ تحت ظلال «فكره» وتهيأ للحياة بجمال «قلمه» عاش مدافعا مرافعا عن «الحقوق» مكافحا ومنافحا عن «الإنسان»
رمز أدبي اختزل السيرة في «أرث ثقافي» ظل شاهدا على مروره بين المحطات كقامة أشير إليها بالبنان وشخص أكمل البنيان على طريقته حيث تكون الكتابة «سلوك حياة» والبوح «قيمة بشر» والموضوعية «منهج كاتب»
إنه الصحافي والأديب والروائي والكاتب الكبير عبدالله الجفري رحمه الله أحد أبرز الأدباء السعودية والكتاب والصحفيين الذين نالوا السبق والعبق في أركان بلاط صاحبة الجلالة .
بوجه رسمي وسيم مشع بالعطاء تسكنه إيماءات الأديب وإيحاءات الكاتب وملامح حجازية عميقة تميزها نظارة مهيبة تميز طلته تتحرك خلفها عينان واسعتان تنبع بالوقار والهدوء تتكامل مع سكون وأدب جم وإنصات وتهذيب يملأ محيط حضوره ولغة مشكلة بين اللهجة المكاوية الممزوجة بالبساطة والعبارات اللغوية الدقيقة والاعتبارات الأدبية المدققة يطل الجفري في مساحات الرأي وبين ساحات الثقافة ووسط مدارات القصة وخلال مسارات الرواية وعند منصات الشرف اسما ومسمى شخصا وشخصية علما ومعلما بطلا وعقلا في قامة رجل واحد .
في مكة جال طفلا في الحجون وشعب عامر يتسامر مع أقرانه في مغامرات «الإلقاء» وتحديات «الأهازيج» فسكنته الرومانسية باكرا حينما كان يكتب «الحياة» حبا ويشكل «الوجوه» نصوصا ويبلور أحاديث البسطاء كروايات ويحول الأحياء كميادين قصص.
تلقى الجفري تعليمه العام بمكة المكرمة وعمل موظفاً بإدارات الأمن العام، والجوازات والجنسية ثم وزارة الإعلام وأعيرت خدماته منها إلى عدة صحف فعمل سكرتيراً لتحرير صحيفة البلاد والمدينة ثم مسؤول تحرير بصحيفة عكاظ.
وشغل الراحل منصب نائب الناشرين بالشركة السعودية للأبحاث والتسويق. وأشرف على صفحات الثقافة والأدب بصحيفة الشرق الأوسط وعلى ملف الثقافة في مجلة (المجلة)، وعمل نائباً لرئيس تحرير «الشرق الأوسط» للشؤون الثقافية. واستمر يكتب عموداً يومياً في كل صحيفة احتضنت نشاطاته تحت عنوان: (ظلال) إلى جانب كتاباته في : القصيرة القصيرة، والرواية
كلف بإنشاء مكتب الحياة في السعودية مع استمراره في كتابة زاوية يومية فيها بعنوان نقطة حوار وكتب: صفحة أسبوعية في مجلة (الجديدة) بعنوان: كلمات فوق القيود، وصفحة أسبوعية في مجلة (اليمامة) بعنوان: موانئ في رحلة الغد، وشارك بالكتابة في صحف عربية مثل الأهرام وآخر ساعة وأكتوبر وصباح الخير.والرأي العام الكويتية.
أصدر الجفري حوالي أربعون كتابا ضمت مجموعات قصصية، وروايات، وخواطر ونقد ولوحات إنسانية، ورؤية لمنطق الخطاب العربي.
وحصل على عشرات الجوائز في الداخل والخارج من عدة جهات وهيئات ومنصات كرمته مثقفا وتوجته أديبا وقدرته كاتبا وأعلنته منفردا.
تملك الجفري عذوبة عميقة جعلت قلبه عامرا بحب الآخرين ودفعته لأن يقتني القلم الأخضر الذي طالما سجع المعنى واعتنى بالوجع فكان حبره لغة بصرية راقية كان يكتبها بقلبه قبل قلمه .
في منازل الطيبين ومساكن الأدباء ومحافل المثقفين كانت ولا تزال «قصاصات» مقالاته تفوح برائحة الأنس وشذى الحب من بين كل الكتب ورغما عن التقنية لأنها ظلت شاهدة «مكان « على كتابات تروحنت مع الذات فسكنت الذاكرة واستكانت إلى أعماق باحثين عن المنهجية في الكلمة والاحتراف في اللغة فكان الجفري «عريس» احتفالات ظلت تعمر القلوب وتغمر العقول.
شكل الجفري الإبداع اللغوي بلغة فاتنة وارضخ الكلمات بتخطيط أدبي عجيب حتى صبها في قالب «لا يشبه» سواه.. كان الحب قضيته والود طبعه والحرف لعبته والكلمة «ابنته البارة « والعبارة «مفتونته السارة» فكانت كلماته أشبه بسيمفونية تشدو صباحا ثم تفتح نوافذ الإشراقة نهارا لتعتمر أصيلا فاخرا وغيمة ماطرة تهطل بالمتعة اللغوية والاشتهاء الذهني.
طالما اختزن المثقفين «كلماته» وارتهن «المفكرين» لعباراته متخذين منه «أبا روحيا» ليقين معرفي واستعلاء أدبي يجعل الحروف سيدة المواسم الثقافية بروح «الجفري» الخضراء التي طالما شكلت «واحات فرج» و»باحات سرور» في ملامسته لهموم الناس وتلمسه لمتطلبات البشر فعاش يمارس معاركه «الخاصة» لنيل الفوز للآخرين فكان ظلالا بشريا للقلم وأنموذجا جماليا للإنسان.
توفي ثاني أيام العيد عام 1429 تاركا الذكريات والأمسيات والإنجازات تتحدث بالقلم وتبرهن بالورقة وتسمو بالكتاب وتستعمر بالأنسانية وتستديم بالمعرفة.