د.ثريا العريض
محزن أن تنحدر ثقافة وأعراف التواصل إلى السب المقذع أو المدح غير المستحق أو التلميع المبالغ فيه. وسواء حدث هذا من محترفين إعلاميين امتهنوا للتكسب، أو لمجرد تصفية حسابات وأحقاد شخصية، فهناك شرفاء يحترمون الكلمة الصادقة دون إسفاف، ويرفضون ويستنكرون أي استعراض يوظف مهارات التعبير بمصطلحات نابية منفرة لأي سبب كان.
مثلاً، في الأيام الماضية تعالت أصوات مثقفين نبلاء ترفض تغريدات لوثت ساحات تويتر بالتفاخر والفحولة الفجة، والمجاهرة بما يمس الأعراض وبالذات أعراض الأمهات. تلك الفئة التي كرمها ديننا الحنيف وميزها بأحقية الاحترام لا يجب أن تمسها الإهانة ولو لفظياً. وبالمثل هناك تجريم وعقوبات لممارسة الهمز واللمز خاصة للرموز وقيادات المؤسسات الكبرى. ولا يبرر هذا التجاوز كون من يفعل ذلك يبرر فعله من باب الاستنفار للوطن وإعلان الإخلاص له.
ولو كان الجرم تم في وسيلة إعلام تقليدية لكان ردع المقترف ومعاقبته ممكنة، بل معاقبة المسؤول الذي أجاز التجاوز اللا أخلاقي. أما في وسيلة عامة مثل تويتر فالحل المتوفر ليس مباشراً، بل يتطلب أن يطالب مجموع كافٍ بإيقاف الحساب الملوث.
وحتى وقت قريب، كان المواطن والمسؤول في الدول غير مكتملة التحضر واحترام حقوق الإنسان، يتساويان في تجاوز القوانين الداخلية، وممارسة التناقض بين المثاليات المعلنة والتصرف الخاص الذي يسمح بممارسة الفساد المادي والإداري والأخلاقي. ولا أعرف أيها الأسوأ. وكلها تؤثر سلبياً في استتباب الأمن والشعور بالحماية. تقبل الاستهتار والسماح ولو عرفياً بممارسة التجاوز والتهاون في حقوق البشر والمؤسسات في أي مجال يدل على التخلف الحضاري ويقتل الثقة بقدرة القيادات على حماية مكونات الوطن. وأن يكون الإعلام ساحة لاستعراض عضلات الإيذاء والبذاءة امتحان لسمعة المجتمع والسلطة.
في كل المجتمعات بدرجات متفاوتة تمارس فئات من البشر ثقافة التعايش مع المتناقضات وتلقين المثاليات، وتقبل الأعراف والتقاليد للتجاوز،ومحاولة القفز فوق القوانين المفروضة رسميًا.
وفي الشرق بالذات تلتبس الأمور أكثر بين الإعلام بصيغته ممثلاً للرأي الرسمي، وصيغته المهنية بصفته إخباراً بالوقائع والمستجدات داخلياً وخارجياً، وبين تحميله مسؤولية ريادة التغير وتطوير الوعي العام وذائقة ثقافة المجتمع، كونه مكلفاً بأن يقود مسيرة الثقافة العامة وعليه مسؤولية ريادتها. ولكنها ريادة مع وقف التنفيذ، حيث انفلت الزمام في الإعلام الإلكتروني الذي فقد زمام فرض الوجهة وتحديد تفاصيل المسموح والممنوع والمسكوت عنه في أعراف الممارسات المجتمعية.
هذه الصلاحية الحيوية الضرورية سبق أن اختلستها جهات أخرى تحت مظلات تبرير رسمية وغير رسمية، ظلت أقواها- حتى وقت قريب- المظلة الكهنوتية التي احتكرت تفسير المفردات والمستجدات وتحديد اللغة المتقبلة والمصطلحات. وبرفض التعددية يعلو صوت ثقافة الرأي الواحد وتنحدر المثالية إلى مجرد عنوان تصنيفي لا يفرض الممارسة الفردية.
ولكن الوفاء للوطن وقت الشدة يتطلب أن تحبه بصدق، وتفخر به بصدق، وتقف مصطفاً لتحميه في أزماته محتفظاً باحترام النبل والقيم .. وليس فقط أن تحفظ شعاراته ومفردات التغني به وتتقبله على علاته وشطحات أفراده.