عبدالعزيز السماري
تمثل الإدارة كلمة السر في نجاح أو فشل أي قطاع أو شركة أو مستشفى، ولازال المدير الناجح عملة نادرة في كثير من المجالات، ومرت في المجال الطبي الذي أنتمي إليه كثير من التجارب التي تستحق الدراسة والتأمل قبل الانتقال إلى مراحل أخرى.
عندما أراجع أوراق الصفحات القديمة والمتراكمة عبر السنين أستطيع القول كانت هناك فترات نجاح وتميز، وفترات فشل وتخبط إداري ذريع، وسأحاول استعرض بعض المشاهد التي لم تفارق الذاكرة لأسباب من أهمها أنها كانت ملفتة للنظر واستحقت الرصد.
حدثت في بعض الحقبات تطورات ملفتة في البنية التحتية وتطوير الكوادر البشرية، وقد تستطيع أخي القارئ من خلال زيارة لأحد المستشفيات الكبرى ملاحظة التغيير، فالصورة الحالية في غاية الإيجابية والتفاؤل، والشباب والشابات السعوديات نجحوا فعلياً في استمرارية النوعية في عملهم المتخصص، ولم تختل جودتها بعد مغادرة كثير من الأجانب.
أثبتت برامج التدريب المتخصص أنها أحد أهم نجاحات القطاع الطبي في المملكة، ولازالت تمد قطاعات الصحة في أنحاء المملكة بكثير من الموارد البشرية المتميزة، ومن المفترض أن لا تتوقف، وأن تلقى الدعم لأنها تعد مصدرا رئيسا لتراكم الثروة البشرية المتخصصة في البلاد.
كان هناك إخفاقات في بعض الحقب الإدارية، وكان سببها الرئيس أنهم أولاً تقليديون وثانياً فاسدون، وغير مؤهلين لهذه المرحلة، وكانت أكبر إخفاقاتهم عداواتهم للتطوير والتدريب، وقد كانت تبعات بعض قراراتهم كارثية وأدت إلى خسائر مادية وبشرية كبيرة.
كان هذا النمط من الإدارة يعتمد على تحويل إدارة المستشفى إلى أن تكون مركزاً لإدارة العلاقات العامة والمصالح الخاصة، وكان أثر ذلك أن جعله على سبيل المثال مركزاً لاستقبال الخبرات الأجنبية في زيارات خاطفة، أو تحويل المرضى إلى الخارج، وهو أسلوب فاشل وقصير النظر، وكانت خسائره جسيمة للغاية، وهو ما يعني في كلمات أخرى الفشل في إدارة برامج التطوير في داخل المؤسسة..
كان هذا النموذج الإداري غير المؤهل يؤمن أن بناء المستشفيات هو بناء الكونكريت والمباني الشاهقة، بينما البناء الحقيقي هو نقل التقنيات الحديثة وتأهيل الموارد البشرية والتحول إلى رائد في مجال تقديم التقنيات الطبية الحديثة في العلاج والتشخيص، ويصب ذلك في جوهر خصخصة القطاع الصحي من خلال التقدم عن الآخرين في سباق التطوير المستمر.
وبمناسبة بدء ظاهرة التخصيص، يعد الاستثمار في نقل التقنيات الحديثة والمتطورة في وسائل التشخيص والعلاج والجزئيات والجينات الوراثية مربحاً للغاية، وأقل تكلفة من إرسال آلاف العينات والمرضى إلى الخارج، وقد تضخم الأمر إلى درجة أن أصبح مكلفاً للغاية.
الشللية والفئوية كانت أيضاً من اهم أعراض المرض الإداري في بعض المستشفيات، واختلفت نسبها بتعاقب الإدارات واختلاف المؤسسات، وكان الهدف في غاية الوضوح عند مختلف الموظفين، وهو التنفيع المادي للأقارب والأصدقاء، وتشخيص هذه الظاهرة السيئة لا يحتاج إلى مهارة خاصة، فالجميع بعرفها ويستطيع ملاحظتها من مختلف الزوايا..
هذه الظاهرة السيئة للغاية لم تكن خاصة بإدارات المستشفيات في المملكة، ولكنها أيضاً تكررت في القطاعات الأخرى، وتحتاج إلى اهتمام خاص وتشخيص مبكر، وتعتبر في الأنظمة المتطورة أحد أوجه الفساد الإداري..
وعلتها أن بعض الإداريين كان يتصرف كأنه الحاكم في إدارته، فيضرب بقوانين المستشفى والبلاد عرض الحائط، ويوزع الشرهات والمنافع على المقربين إليه، ويحارب الناجحين من خارج دوائر اهتمامه، ويؤسس شبكات للتآمر والتسلط لحماية مصالحه الخاصة..
باختصار ما تحتاجه المستشفيات في هذا العصر بعد عقود من الإخفاقات والنجاحات هو العقل التطويري الذي يحترم أخلاقيات العمل وتكافوء الفرص، وفي نفس الوقت يملك القدرة على مواكبة التقدم المستمر في تقنيات الطب الحديث وتوطينها في المستشفيات المتخصصة في البلاد وهذا ما نتوقَّعه ونتمناه، والله ولي التوفيق.