فيصل خالد الخديدي
إيمان الفنانين بفنهم وذواتهم ونقاء رسائلهم هو مصدر طاقتهم الداخلية التي لا تُهزم، والعمل على تطوير أدواتهم يأتي بعد ذلك داعماً للاستمرار والازدهار، ومتى ما اهتزت أركان ذلك الإيمان أو انحرفت عن مساره تقازمت الساحة، وبدأت في الهزائم الداخلية قبل الخارجية.
ليس معيباً أن يبحث الفنان عن الفرص ليُظهر فنه ويظهر به، ولكن من المعيب أن يسترخص نفسه وفنه ويتقازم بأعماله مقابل نشر روابط حساباته لمواقع التواصل أمام عمله أملاً بزيادة عدد المتابعين فقط.
لا يفرق بين كنه اللون وماهيته ولا أسس العمل الفني ولا عناصره ويقدم دورة في اللون وتقنياته وتجريده..! وأخرى لا تفرق بين كتابة حرف الألف في الخط الديواني وخط الثلث وتقدم ورشة في التشكيل بالحرف..!
فوضى التدريب وحمى الورش بلامنهجية ولا أسس أثقلت جسد الساحة ونخرت قوامه حتى تقازم على أيدي متضخمين فارغين ومدعين واهمين.
لن ينضج وإن تقادمت به السنين ونتاجه أشبه بنشاز ألوان مبعثرة على باليتة مهجورة متقادمة.. يتلون منجزه بلا مراحل ولا رسائل ولا هاجس وإنما بلون الرفقة والصحبة، كل ذلك ليضمن أن يكون ضمن إطار الصورة وكادر المشهد ولو ظهر في كل صورة قزم على كتف عملاق.
تمتلك أجمل الشواطئ محلياً، وتحمل بين جنباتها منذ أكثر من ثلاثين عاماً متحفاً مفتوحاً يضم كنوزاً من مجسمات لأفضل أسماء النحت عالمياً، وفي واجهتها البحرية مؤخراً حضر الإبداع والجمال في كل شيء إلا في المجسمات الفنية التي تقازمت أمام مستوى النحت المحلي وأمام تاريخ المدينة المحمل بإبداع النحت ومجسماته.
التطوع والمبادرة في العمل سلوك إنساني متحضر ولكنه يصبح فعلاً متقازماً عندما يحضر من البعض باسم التطوع في المشاريع التجارية والاستثمارية ليفسد بناء استمر لأجيال من الفنانين والمؤسسات الفنية حفاظاً على حقوق الفنان وتأصيلاً بأن الفن ذو قيمة ويستحق التقدير وليس هامشياً يحضر بلا قيمة بدعوى التطوع والمبادرة.
ترنيمة أخيرة..
يقول الشاعر بشار بن برد:
رَأَيتُ صَغير الأمر تَنمي شُؤونَه
فَيَكبُر حَتّى لا يَحد وَيَعظُمُ
وَإِن عَناءً أَن تَفهَم جاهِلا
فَيَحسَب جَهلا أَنَّهُ مِنكَ أفهَمُ
مَتى يَبلُغ البُنيانُ يَوماً تَمامَه
إذا كُنت تَبنيهِ وَغَيرك يَهدِمُ