د. خيرية السقاف
الالتقاء في طريق بين ذاهب, وآيب مقابلة, تمتد فيها اليد لليد, وتواجه العينُ العينَ,
وثمة ملامح أخرى!..
الالتقاء في الاتجاه ذاته, صوتٌ يصل, كتفٌ يقترب, فاستدارة رأس, وثمة خطوات فاقتراب!!..
وهناك لقاءات تُقصد, فملامح تعبِّر, وأطرافٌ تمشي, أو تصافح, وشفاهٌ تتبسم, وألسنةٌ تتكلم !!..
عن الهاتف لقاء, وفي اللقطة لقاء, وفي الصوت لقاء, وثمة ما يوصِلُ فيتمم..
لكن الذين لا تبقى منهم غير ملامح قد تبهت مع مرور الزمن..
تغيب أصواتهم, وقد تتلاشى معها نبراتها..
تضيع صورهم, تبهت أو تحتفي, أو تغور في نهايات الوسائل عند عطبها, أو عجزها, أو تقلب الأحوال بها..
هؤلاء أي الطريق إليهم..؟
كيف اللقاء بهم؟!..
أين الطريق الذي يمنح مصادفة المقابلة بهم وهم قادمون أو ذاهبون؟!..
ما المسار الذي يتَّحدون فيه معنا في الاتجاه فنلتفت لأصواتهم, أو تتماس فيه أكتافهم بأكتافنا,
أو بعين تلقط مكانهم حيث يندسون في بعض تفاصيله؟..
كلماتهم المنطوقة أتدوم..؟
مواقفهم الحيّة أتنهض..؟
عطورهم, أزياؤهم, حقائبهم, أحذينهم, ما الذي سيكون منها في الطريق؟
وتلك الكفوف الندية اللدنة في أيديهم, التي لم يدَعوا لخشونة الحياة أن تجففها, ولا لنداها أن يذيبها, عيونهم المكتنزة بالرحمة التي لم ترمدها قسوة الحياة, أنفاسهم النسمة التي تغيّر المواسم الحارقة لجنات فردوسية وارفة, جباههم المنيفة صفاء, وأنوفهم المرتفعة عفافا .....و..... أوَ تبقى في طرقنا لنلتقيها؟!..
نقابلها فجأة, أو نحتفي بالمصادفة, أو نتجه معها للبيت في اختصار القربى..؟!
الطريق في اتجاهاته المختلفة من كل جانب لا يزال فيه منهم الطيف, وشذى العطر, وملمس الكف, وبهجة البسمة, وشموخ الجبهة, ومناف الأنف هناك في معارج الجنان التي كانت بهم فوق الأرض...
ولعلهم يُرفهون فيها في فضاءات الغيب الذي ندرج إليه في طريقنا فرادى إلا من بقاياهم...