أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: ليس في قدرة الملك عبدالعزيز رحمه الله تعالى (ولا في قدرة أي عبقري يشاركه همومه) أن يتشبث بأي حق في محميات بريطانيا؛ لأن الزعامات أبرمت عقودها مع العدو بطلب الحماية، ورضاها بذلك؛ لأنها لا تحمل هم الوحدة العربية والإسلامية؛ وذلك حين ومع قوة بريطانيا عالميا، وضعفها هي إقليميا.. وكانت حادثة الجهراء تجربة قابلها عبدالعزيز بمنطق، وكسب عبدالعزيز كل شيىء؛ فضم أطراف المملكة، ولم يدع شبرا كان يرى أنه من دولة أجداده، ولم يترك فرصة للتدخل الأجنبي في دستور حكومته بأي تطبيع، وظل دستوره حرا إلى هذا اليوم، وإلى أن تقوم الساعة إن شاء الله تعالى.. وكان عبدالعزيز أحد المؤسسين الاثنين لجامعة الدول العربية (والثاني جمال عبدالناصر)، واتخذ مكة المكرمة منبرا يمثل جامعة إسلامية؛ ولم يحقق هذه الوحدة في ذلك الظرف الحرج ولا بعده إلى هذا اليوم أي زعيم عربي.. إن حق عبدالعزيز ليس على أبناء شعبه وحسب؛ وإنما حقه على العالم العربي والإسلامي أجمع؛ وذلك بالدعاء له، وتطييب ذكره.
قال أبو عبدالرحمن: وأوعب ما صدر عن علاقات عبدالعزيز ببريطانيا كتاب (حدود الجزيرة العربية/ قصة الدور البريطاني في رسم الحدود عبر الصحراء) لمؤلفه (جون. س. ولينكسون) بترجمة (مجدي عبدالكريم)؛ وليس في هذه الكتب، وليس في تلك المفاوضات والمعاقدات : أن الحجاز، أو قضية فلسطين: هي محور العلاقة؛ بل بيت القصيد الحد من طموح ابن سعود إلى ضم بلدان مربوطة بالحماية الأجنبية ربطا رسميا، وأن بريطانيا سلبا تساومه على ما هو جزأ من المملكة العربية السعودية الآن؛ وإيجابا تقدم له بعض المنافع التي يقتضيها التعاقد العلني المشرف؛ ليتخلى عن أجزأ ليست من المملكة الآن.. كان عبدالعزيز يدعيها تاريخيا بمختلف الحجج الدبلوماسية الذكية.. قال (ولينكسون): ((ومن ناحية أخرى فإن ابن سعود ألمح في أول لقاإ له تلا لقاأ عرض فيه وجهات نظره: أنه مستعد جزئيا لإسقاط أو التغاضي عن حقوق أجداده، وأشار ابن سعود [إلى أنه] بالرغم [من] أن مطالبه في ساحل عمان وقطر جزأ من سيادة وسلطة أجداده، ويمكنه بسط نفوذه هناك.. إلا أنه راغب تماما في تلبية رغبات الحكومة البريطانية فيما يتعلق بهما.. وأوضح أن السبب الوحيد الذي جعله يمسك عن السيطرة على قطر وساحل عمان بعد احتلال [بل استرداد] الأحساء والقطيف هو رغبته ألا يخسر تعاطف الحكومة البريطانية (مذكرة اجتماع ابن سعود 15و16 ديسمبر سنة 1913م).
قال أبو عبدالرحمن: وبيت القصيد دور الملك عبدالعزيز من القضية الفلسطينية، والإجماع (من العدو، والصديق) على شرف الموقف، ونقاوته، وإيجابيته.. بيد أن غرا حدثا شعوبيا واحدا راهن على الاستخفاف بعقول القراء قبل أن يراهن على ترويج الأكاذيب، وقلب الحقائق، والتحلل من التوثيق نهائيا؛ فآثرت هاهنا أن أقتبس ومضات قليلة من عملي الكبير الذي أشرت إليه عن الدولة السعودية وعلاقاتها بقوى النفوذ الكبرى على وجه المعمورة.. وأجدني مضطرا إلى شرح شيىء من مبدإ الارتزاق لدى بعض الكتبييين الناشرين على حساب الحقائق، والقيم، والدين.. سواء أكان الكاتب مرتزقا، أم طالب شهرة، أم مأجورا، أم ذا حول.. أشرحه ببداية قصتي مع الكتاب النكرة؛ فقد كنت أتجول في مكتبة كبيرة بالقاهرة، فأ لم كل عنوان استجد بدون مماكسة في السعر، وسررت بتنوع المعارف من تراث وحداثة: بين تاريخ، وسياسة، وأدب، وفن، ولغة، وفلسفة، ومنطق، وأطروحات قضايا العصر مترجمة من كل اللغات.. وحبب إلي (بنازع إقليمي عاطفي) تزيين الأرفف بكتب حميمة تتحدث عن تاريخنا المحلي.. ولم تكن المكتبة محلا للعرض والبيع وحسب، بل كانت تقوم بالطبع والنشر والتوزيع.. ولما رأى القائمون شغفي ونهمي: صعدوا بي إلى الدور الثاني، ولم يتركوا لي فرصة التأمل في الكتب، بل كانوا يكدسون عندي الكتب أكواما، ويصفونها بالممنوعات أو المحظورات؛ فهالني أمر التناقض والتنافي في أرفف تروج لكل الملل والنحل والمذاهب والتوجهات المتضادة؛ وكان تجوالي من الساعة التاسعة صباحا إلى الثانية ظهرا.. أي مدته خمس ساعات أنفقت منها استراحة ساعة إلا ربع في تصفح كتيب لمتشبث بالشخبطة نكرة اسمه (حمادة إمام)؛ واسم كتيبه (دور الأسرة السعودية في إقامة الدولة الإسرائيلية)؛ فجلست مع القائمين على المكتبة، وفاتحتهم بأن المكتبة تفقد أي محور لتوجه معين، ولا تحمل رسالة علمية أو فكرية.. وآلمتهم هذه المصارحة حتى أكملت شواهدي بهذا التباين الديني الفكري المذهبي؛ وليس ذلك في مبيعات المكتبة وحسب؛ بل في منشوراتها (تمويلا، وطباعة، وتوزيعا)؛ فحاولوا إقناعي بأن للتجارة منطقا غير منطق التوجه الديني أو العلمي أو الفكري.. وعجزت عن إقناعهم بأن هذا تفكير مختل ماداموا يقرون كل مرة بأنهم مسلمون موحدون، وأن المنطق منطق حقيقة وخير وجمال لا غير؛ فهو منطق واحد..وآخر سهم في الكنانة عندما ألحوا على دعوى توسيع أفق القارئ، وإعطائه الحرية؛ ليلم بل وجهات النظر؛ فصارحتهم بالتساؤل عن مشروعية تبني تمويل ونشر وتوزيع الكذب، والعقم المعرفي، وهل يحل هذا لمسلم موحد باسم توسيع أفق القارئ؟.. فقالوا: لا؛ فأريتهم الكتيب الخائب، وأريتهم اسم مكتبتهم طابعة موزعة، بل مروجة في الغلاف الأيسر؟.. فقالوا: كيف عرفت (يا سيدنا الشيخ) أنه كذب؟.. فقلت: هاتوا زعيما أو كاتبا خواجيا أو عربيا، مسلما أو غير مسلم، مشاركا في الحدث، أو معاصرا له مراقبا وصف الملك عبدالعزيز ابن سعود بغير الحماس لقضية فلسطين، وتقطع قلبه من أجلها على الرغم من قلة ذات يده، ومحدودية قدراته العسكرية.. لم يصفه أحد بأدنى سعي يضر بمصالح العرب والمسلمين، أو بالحياد، أو بالمجاملة الديبلوماسية.. وإلى لقاء في السبت القادم إن شاء الله تعالى, والله المستعان.