د.عبدالله الغذامي
في أصل الإنسان وتركيبته الذهنية والوجدانية أنه مصنع متنقل للآراء ، وله في كل أمر رأي ، وتتسع مهارة صناعة الرأي لدى الإنسان مع تنامي معارفه أو تجاربه أو مع تحديات الظروف ومتطلبات بقائه حتى ليكون الرأي هو العلامة الأولى على الإنسان ، وكما تعرف المرء بوجهه فإنك تعرفه برأيه أيضا ، وليس المرء محتاجا لشهادة ولا حتى لكفاءة خاصة أو عامة لكي ينتج آراءه ، وبما إن الأمر بهذه السهولة فإن السير البشرية تكتنز بالخلافات المتصلة بسبب خاصية إنتاج الآراء ، دون شروط ودون تأهيلات ، ولن تمر حالة بشرية إلا وتلاحقها الآراء مثلما تلاحقها الأبصار والآذان ، وكما أنت تسمع وترى فأنت أيضا تنتج رأيا فيما تسمعه أو تراه ، وهنا تتصادم الآراء البشرية مثلما تتصادم الأجسام في الزحام ، وسترى أن الحياة مزحومة بالخلافات تبعا لانزحامها بالآراء .
من هنا ابتكرت اللغة مصطلح الهوى ، كمقابل لمصطلح الرأي ، وكثيرا ما يصم الشخص خصمه بأنه صاحب هوى ، وهو تعبير يعني أن الطرف الآخر صاحب رأي ولكن هذا الرأي لا يعجبك وحينها سيتم تصنيف القول بأنه هوى ، من أجل سلب معنى الرأي عنه ، ويجري هذا في الحياة العامة كما يجري في الدين والسياسة ،وهما أهم حقلين تتواتر فيهما الآراء والخلافات تبعا لتعدد الرأي ، ثم يجري نفي المثير منها بوصفه بالهوى .
ولعل أهم تشخيص لخاصية الفرق بين الرأي والهوى يأتي من طريقة سلوك منتجيهما ، فالرأي عادة هو التصور الذي لا يحاول صاحبه فرضه ، وكلما حاول صاحب الرأي فرض تصوره فإنه يتحول إلى صاحب هوى، وصاحب الهوى يجرك لرأيك جرا ، ويصر عليك فيه ، في حين إن تحرير الرأي من سلطة الفرض والجبر هو ما تجعل الرأي رأيا وليس هوى يلزمك اتباعه.