د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
هذا عنوان كتاب ألفه ابننا الدكتور عادل العيثان وأهداني مشكورًا نسخة منه، وهو من منشورات مركز البحوث في كلية الآداب- جامعة الملك سعود، ونشر في 2010م.
و(الإفراد والغرائب) هو الفن السادس في كتاب السيوطي (الأشباه والنظائر)، وعلى الرغم من رغبتي الشديدة في الوقوف على مضمون الكتاب كانت الصوارف عن هذا أقوى، ولكني تصفحته وقرأت بعض ما ورد فيه فوجدته بحاجة إلى فضل مراجعة، وأكتفي بمثال:
قال في ص36
«8-باب (إنَّ):
نقل السيوطي فيه رأي ابن مالك بعدم القياس على المضارع الآتي بعد (إنْ) المخففة من الثقيلة، وما جاء في نحو «وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك» و»وإن نظنك لمن الكاذبين» يحفظ ولا يقاس عليه. وعقب عليه بقول أبي حيان «هذا ليس بصحيح ولا نعلم له موافقاً».
لم يعتن الباحث بتحقيق النص الذي أورده السيوطي؛ إذ قوله «حفظ ولم يقس عليه» ليست عبارة ابن مالك في (شرح التسهيل، 2: 37) بل هي عبارة أبي حيان في (التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل، 5: 141)، وليست الآية «وإن نظنك لمن الكاذبين» من شواهد ابن مالك في الموضع المذكور، بل هي واردة عند أبي حيّان، وهذا دليل على أن السيوطي نقل عن أبي حيان لا عن ابن مالك.
قال العيثان بعد هذا النقل «غير أن النقض بعدم الموافقة من أحد على رأي ابن مالك لا يكفي للنقض العلمي»، وهذا القول ملبس فقد يفهم منه أنّ من النحويين من خالف ابن مالك في قوله، وهذا لا يفهم من عبارة أبي حيان الذي ينفي علمه بأن هناك من وافق ابن مالك في قوله، وهو لم يصرح بأنّ هناك من خالف، وخلاصة القول إنّ هذا مذهب تفرد به ابن مالك حسب فهم أبي حيّان.
وأما قوله بأن عدم موافقة أحد لابن مالك لا تكفي في النقض فقول له وجاهته. ولكن ليس على المساق الذي ساقه بعد ذلك في قوله «والذي ينبغي أن يقال إن إدخال المضارع في ذلك السياق ينتج كلاماً مفيداً في نحو:
1 - وإنْ يذهبُ الجنود لِيقاتلوا العدو.
2 - وإنْ يكونُ المطرُ لِيرحمَ الله به عباده.»
واللافت للانتباه إدخاله الواو في المثالين من غير غرض واضح ولا وظيفة بينة؛ إذ ليس المثالان مقتطعين من نصّ فتكون الواو بحسب ما قبلها، ولكن الباحث أراد محاكاة تركيب الشاهدين في نصّ السيوطي، والأمر الآخر أنه أدخل على الفعلين لام التعليل الناصبة، وهذا ظاهر من ضبطه للمثال فاللام مكسورة والفعل منصوب، والمثالان في هذه الحال غير مفيدين وغير صحيحين أيضًا، والمعلوم أن اللام الواردة مع (إنْ) المخففة هي لام مفتوحة، قال الأشموني «وَتَلْزَم اللَّامُ إذا مَا تُهْمَلُ» لتفرق بينها وبين(«إنْ) النافية، ولهذا تسمى اللام الفارقة»، فقولك: إنْ زيدٌ لَمنطلقٌ تأكيد لانطلاق زيد وقولك إنْ زيدٌ منطلقٌ نفي لانطلاقه.
وقلت إن المثالين غير صحيحين، لأن (إنْ) المؤكدة تدخل على جملة واحدة بسيطة، بخلاف الجملة عنده فهي من جملتين، والباحث غفل وهو يحاكي الآيتين أن الجملة فيهما بسيطة، وكذلك كل الشواهد الأخرى التي ذكرها ابن مالك ثم أبو حيان من بعده، وما بعد اللّام في جملتيه لا تتم به الفائدة؛ ذلك أنّ (إنْ) المؤكدة تدخل في الأصل على المبتدأ وتدخل اللّام الملازمتها على الخبر المتم الفائدة، وقد تدخل على الفعل فتدخل اللّام على ما هو بمنزلة الخبر.
أيّد الباحث نقضه بقوله «وبما أنّ طبيعة اللغة تستوعب التطور والنمو والتوليد الذي لا يخل بغرض الفهم والإفهام؛ فإن أمثال تلك التراكيب غير المسموعة من قبل تكون بحكم المسموع من حيث الصحة النحوية والدلالية».
وفي عبارته تسمح، فلعله أراد أمثال تلك الجمل غير المسموعة لا التراكيب، فإن يرد إقرار تراكيب ما سمع لها من مثال سابق فهذه دعوى عريضة وباب واسع إن أخذ به على علّاته لم تقم للعربية قائمة، فالوفاء بالفهم والإفهام لا يكفيان وحدهما لتصحيح الاستعمال، والباحث لم يقف على أساس قول ابن مالك المبني عنده على أصل من أصول التقعيد، وهو كثرة الاستعمال، فاللغة نظامها منتزع من استعمال جمهرة العرب لا أفرادهم، وما ورد من استعمالات الأفراد يعدّ لغة يحفظ ولكن لا يقاس عليه، قال ابن مالك عن الفعل بعد (إنْ) المؤكدة «ولا يكون ذلك الفعل غالبًا إلا بلفظ الماضي، فإن كان مضارعًا حفظ»، فالأغلبية هي ضابط القياس، واعتراض أبي حيان المولع باعتراض ابن مالك لا يكون متجهًا ببعض المثل التي يعرفها ابن مالك وأورد شيئًا منها، وإنما بمراجعة للمدونة العربية للنظر في نسبة ورود الفعل بعد (إنْ) المؤكدة.
أما استطراد الباحث إلى أنه قد يقع اللبس بين (إنْ) المؤكدة و(إنْ) الشرطية ودفعه ذلك بتميّز الشرطية بجزم الفعل بعدها فقول متوقف فيه؛ لأن الفعل الماضي يقع بعد الشرطية كما يقع بعد المؤكدة، ولكن الفرق الحق هو ملازمة (اللام) للمؤكدة لفظًا أو تقديرًا، وأنها داخلة على جملة بسيطة بخلاف الشرطية التي تؤلف بين جملتين ليصيرا جملة مركبة.
وأما النتيجة التي انتهى إليها وهي قوله «وعلى هذا يكون استعمال أسلوب الشرط بدلاً من أسلوب التوكيد بإنْ المخففة أو استعمال التوكيد هذا بدلاً من أسلوب الشرط متروكاً لاختيار المتكلم تبعاً لما يريده من الغرض والمعنى» فغير صحيحة إن كان يريد المثالين اللذين دار حولهما الكلام، فالمثال مع المؤكدة غير صحيح وأما مع الشرطية فصحيح، أي قوله (إنْ يذهبُ الجنود ليقاتلوا العدو) غير صحيح وأما قوله (إنْ يذهبْ الجنود يقاتلوا العدو) فصحيح.