د. علي بن فايز الجحني
إن الناظر في تحركات النظام الإيراني على الخارطة الدولية والإقليمية يجد أنه يسعى دائمًا وبإصرار عجيب إلى أن يكون في واجهة الأحداث ومحور ارتكازها؛ فالتصريحات النارية في أثناء حربه مع العراق تجاوزت كل الحدود، ثم جاءت مرحلة وشعارات محمد خاتمي حول حوار الحضارات، والانفتاح والإصلاح، وثمة الملف النووي و تصريحات الرئيس «نجاد» الزائفة والخادعة.
وعلى نفس المنوال الرئيس الحالي «روحاني». وقد تعاقب على حكم إيران منذ الثورة عام 1979م كل من: «أبو الحسن بني صدر» من عام 1980- 1981م، وجاء «محمد علي رجائي» في عام 1981- ولكنه اغتيل وبعض أعضاء وزرائه في العام نفسه، وجاء بعده «علي خامنئي» من عام 1981 إلى 1989م، أعقبه «علي أكبر هاشمي رفسنجاني» من عام 1989- 1997م، ثم محمد خاتمي من عام 1997 - 2005م, وجاء بعده «أحمدي نجاد»، وهو الشخصية المسعورة المتهورة من 2005-2013م, وبعد نجاد جاء الرئيس الحالي حسن روحاني من عام 2013م. وكل هؤلاء الحكام الذين ابتلي بهم الشعب الإيراني نسخ مكررة من التصرفات والشعارات والوعود الواهية للشعوب الإيرانية, ومن الادعاءات الباطلة بمناصرة القضايا العربية والإسلامية.
لقد حكموا إيران بالحديد والنار، فخربوا ودمروا وجعلوا من بلدهم بؤرة للإرهاب والجريمة المنظمة بكل صورها، إلى درجة أن كل واحد منهم يكمل فصلًا من فصول الحقد والإرهاب والفتن والإفساد للدين الإسلامي، والعمل على نشر الطائفية البغيضة وتدمير خيرات واقتصاد الجماهير الإيرانية، وحرمانها من أقل حقوقها في الحياة؛ ولذلك لم يعد الإيرانيون يقتنعون بهم ولا يقبلون منهم أي عنتريات أو تفسيرات أو شعارات بهلوانية استعراضية .
والسؤال هنا: لماذا تصر إيران على دعم الإرهاب والشيطنة والشغب، وإطلاق الشعارات، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية والإسلامية؟ وهناك إجابتان يمكن طرحهما حول الموضوع:
الأولى: تتحدث عن أن هناك خطة مرسومة تهدف إلى إشغال الداخل الإيراني عن المطالبة بحقوقه المغتصبة والمهضومة من خلال افتعال الأعداء الخارجيين الذين يسعون في زعمهم إلى إعادة نظام الشاه إلى الحكم، ولذلك يصورون للداخل أن هناك خطرًا يتربص بثورة الخميني شرًا، وبناءً على زعمهم هذا بوجود محور معادٍ لهم يسعى للإطاحة بهم, فإن المشكلات الداخلية المتفاقمة ومؤامراته عليهم تنسب إلى الخارج تبريرًا واهيًا؛ لفشلهم الذريع في توفير الحد الأدنى من الكرامة لشعوبهم، بينما الغطرسة والاستعلاء والرغبة في تصدير الطائفية والمذهبية والإرهاب، وكسب النفوذ هي المحرك لسياستهم الخارجية ولنشرهم الطائفية ودعم الإرهاب.
الثانية: إن النظام الإيراني يستمد شرعيته أصلًا من تصدير الطائفية والمذهبية والإرهاب وشعاراتها وتدخلاتها في شؤون الدول، ومن وصايا الخميني. ومن هنا يتضح جليًّا أن النظام الإيراني لا يمكن له البقاء إلا في ظل الكذب والشيطنة والإرهاب، وأيضًا في ظل تبني الدسائس والمؤامرات، والشعارات الزائفة، والحرب الإعلامية؟
وأخيرًا، فإن من يتتبع بيانات وقرارات الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، والمنظمات الإقليمية والإسلامية والعربية يجد أن النظام الإيراني المتهم الأول في الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان في العالم، وهاهو مؤتمر قادة دول وحكومات منظمة التعاون الإسلامي يختتم الدورة (13) ببيان ختامي يدين فيه تدخلات الحكومة الإيرانية والأعمال الإرهابية التي تدعمها بما فيها دعم الأحزاب والمنظمات الإرهابية في المنطقة ومنها حزب الله, حيث نص البيان الختامي للقمة صراحة على: «إدانة حزب الله لقيامه بأعمال إرهابية في سوريا والبحرين والكويت واليمن، ودعمه حركات وجماعات إرهابية تزعزع أمن واستقرار دول أعضاء في المنظمة»؛ ولذلك كان البيان رسالة قويَّة لنظام طهران، مفادها: أن سياساته الفوضوية القائمة على نشر الإرهاب لن تمر إسلاميًّا أو عربيًّا أو دوليًّا، فدول المنطقة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية يقظة تمامًا لمخططات هذا النظام الإرهابي التخريبي الذي يتعامل بأجندة طائفية مذهبية مرفوضة إقليميًّا وعالميًّا، كان من آثارها ما جلبته من دمار في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها من الدول, وكل يوم يتأخر فيه نظام ولاية الفقيه الغاشم عن مراجعة سياساته العدوانية؛ فإنه في الوقت نفسه يواصل عزل نفسه إقليميًّا ودوليًّا, وإن غدًا لناظره قريب.
إن كثيرًا من الدراسات يشير إلى الأوضاع المأسوية داخل إيران، حيث إن جزءًا كبيرًا من الشعب الإيراني مشرد في الخارج وبعضه أودع السجون، والشعب في مجمله مغلوب على أمره، إذ يمارسون عليه أصنافًا من تزييف الوعي المجتمعي وبطريقة ممنهجة؛ ليسهل لهم السيطرة والتحكم عليه، وتوجيهه وفق أجندات وأفكار وتوجهات تخدم بقاء الملالي في السلطة، ومن أجل ذلك قتلوا مئات الآلاف من الأبرياء الإيرانيين بالإعدامات، والتعذيب في السجون، وبالرغم من كل ذلك ها هو الشعب الإيراني ينتفض ضد حكم الملالي إلى أن ينتزع حريته ويحكم نفسه بنفسه.
إن الوعي الجمعي المزيف في إيران والمبني على فلسفة تصدير الطائفية والمذهبية ودعم المنظمات الإرهابية، والتدخل في شؤون الدول الداخلية، كل ذلك أصبح جزءًا من سياستهم. ومن ذلك دعم نظام بشار الأسد في سوريا، و«حزب الله» اللبناني, و«القاعدة», و«داعش»، و«الحوثيين»، و»مليشيات الحشد الشعبي» وغيرها، وتقديم خدمات هائلة لإسرائيل.
وهاهم يحرضون علي التغييرات والقلاقل في دول الجوار «تمهيدًا لظهور مهديهم المزعوم» وهاهم يطورون صناعة التسليح ذي الخاصية الهجومية لا الدفاعية كالصواريخ بعيدة المدى، والامتناع عن تقديم بيانات وافية حول استخدامات الطاقة النووية حتى قال قائلهم: « سوف نمتلك ما يكفينا من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية للأغراض الهجومية» كل ذلك يجعلهم مصدر تهديد للسلم والأمن الدوليين؛ ناهيك عن سياستهم الطائفية والمذهبية؛ تجسيدًا لمادة في دستورهم الطائفي. وفوق هذا وذاك فهم لا يخفون صراحة أطماعهم في دول الجوار واستعدادهم لاستخدام القوة تارة، وأخرى في دعم ورعاية الإرهاب، واحتضان المنظمات الإرهابية، وممارسة الاغتيالات السياسية، واختطاف الطائرات والتدخلات السافرة في شؤون الدول.
إن نظام الملالي في إيران يمثل بحق نظامًا مارقًا لا يكف عن إشعال الحرائق والفتن في أماكن مختلفة من العالم، وقد عبر عن ذلك وزير الشؤون الخارجية الكندي «جون بيرد» في بيان له قال فيه: «إن الحكومة الإيرانية هي من يشكل التهديد الأخطر على السلام والأمن العالمي في العالم اليوم، وأشار إلى أن إيران تواصل توفير المأوى والدعم المادي للجماعات الإرهابية، حتى في أثناء التفاوض على الصفقة النووية مع إدارة أوباما» وقال نائب الرئيس الأمريكي السابق «ديك تشيني:» بصراحة إن إيران شريك ضالع في جريمة الحادي عشر من سبتمبر، وأنها سهلت العملية، ودفعت أعضاء القاعدة، وعلى رأسهم «بن لادن»، لتنفيذها، وأن «باراك أوباما» وإدارته على علم بذلك..»
وهناك من يقول: إن سياسة إيران استشرت واستقوت أكثر بعد توقيع الاتفاقية النووية، ولن تغير يومًا ما سياستها، إلا إذا شعرت بأن هناك إستراتيجية عربية شاملة متعددة المجالات والأبعاد تغير ميزان القوى في الشرق الأوسط، وتقف في وجهها، حينها ستحسب لذلك ألف حساب.
لقد أسست مذهبها الذي يتنافى مع صحيح الدين على قاعدتين: الأولى: المذهب الشيعي الطائفي، والثانية العرق الفارسي, وكان «إسماعيل الصفوي» معروفًا بحقده على أهل السنة، وذلك عندما جعل الشعوب الإيرانية أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التشيع أو الموت وبالفعل حول إيران من المذهب «السني الشافعي» إلى «المذهب الشيعي الاثني عشري» بالقوة والبطش والاضطهاد لأسباب كثيرة من أهمها:
* العداء الشديد, والصراع الطويل بين الصفويين والدولة العثمانية السنية ذات القوة العسكرية القوية.
* الإصرار على التخلص من المذهب السني الذي تسير عليه الدولة العثمانية من عام 1501م والتحول إلى المسار الشيعي الاثني عشري، وذلك بإيجاد هوية مضادة مختلفة عمَّا هي عليه الدولة العثمانية.
* الخوف من الموالين لأهل السنة الذين في نظرهم سيتعاونون مع أهل السنة، وخاصة مع الدولة العثمانية.
* الرغبة في نشر التشيع خارج حدودهم، وتشير المراجع تاريخيًّا أن جذور العداء لأهل السنة والجماعة تعود إلى مرحلة تأسيس الدولة الصفوية (1501م)، حيث بدأت ظاهرة العداء والبلطجة بالظهور، ومن أمثلة ذلك ما أورده الخبير الدكتور محمد السلمي بقوله: «ذلك أن ما قام به إسماعيل الصفوي من تجييش لبعض البلطجية الطائفيين المعروفين آنذاك بـ«التبرائيين» ضد أهل السنة، فقد كانوا ينطلقون في شوارع المدينة ويلعنون الخلفاء الراشدين الثلاثة الأول، ويقتلون كل من لا يلعنهم، وأصبحت هذه الفئة أداة قتل وقمع وإرهاب للناس، وتحويل إيران من دولة سنية إلى شيعية» فما أشبه بلطجيتهم بالأمس ببلطجيتهم اليوم تحت شعار حماية الثورة ومبادئها, وحماية الدستور الطائفي.
* إن دستور ولاية الفقيه الإيراني ينص صراحة على أن المذهب الشيعي الاثني عشري هو المذهب الرسمي لشعوب إيران، والعقيدة الشيعية - كما تنص على ذلك كتب علمائهم ومراجعهم - ترى أن المسلم السني هو العدو الأول, وهي عقيدة تعمل بها وتمارسها في الداخل والخارج. ففي داخل إيران يمارس نظام ولاية الفقيه أبشع الجرائم مع المسلمين السنة وتلحق بهم الأذى والظلم والتهميش, والهدم لمساجدهم ومدارسهم, واعتقال علمائهم وشبابهم.
* إن العاصمة طهران - مثلًا- التي يعيش فيها ما يقرب من مليون مسلم سني لا يسمح لهم فيها حتى الآن ببناء مسجد، ولا غرو أن يخذل نظام ولاية الفقيه المسلمين في قضاياهم المصيرية كما برز ذلك في فلسطين.