اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
بثَّت قناة الفتنة القطرية كعادتها دائماً، تحقيقاً للغاية التي من أجلها أُنشئت، مساء الاثنين 5-5-1439هـ، الموافق 22-1-2018م، في برنامجها (للقصة بقية)، ما قالت إنه (فيلماً وثائقياً) عن جزيرتي تيران وصنافير السعوديتين.. أكرر: السعوديتين يا قناة الفتنة. استضافت فيه مقدمة البرنامج فيروز زياني، الدكتور نبيل ميخائيل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن عبر الأقمار الاصطناعية، إضافة لطالب دكتوراه يدرس في جامعة برلين يُدعى تقادم الخطيب، كان ضيفها في الاستديو.. وللمفارقة، الضيفان مصريَّان.
والحق يُقال، تم إعداد (الفيلم الوثائقي) بخبث لا نظير له، من أجل إحداث فتنة مركبة شديدة التعقيد، سعياً لتحقيق الهدف المنشود، بإمكان كل متابع مهتم إيجاز أهم ركائزه في النقاط التالية:
أولاً: إشعال فتيل الفتنة بين الشعب المصري الشقيق ورئيسه المشير عبد الفتاح السيسي (غريم قناة الفتنة العنيد) الذي صرخ في وجهها بلهجته المباشرة الصادقة: (أنا مش إخوان، ولن أكون إخوان إلى الأبد)؛ لاسيَّما الانتخابات الرئاسية في مصر على الأبواب، وكل القرائن تشير إلى أن الرجل سوف يحظى بفترة رئاسية ثانية، ليس لأنه لا يوجد حتى الآن مرشح حقيقي يمكنه منافسته على المنصب فحسب، بل لهذا التأييد الواضح من السواد الأعظم من الشعب المصري لرئيسه، الذي لا بد لكل مراقب حصيف أن يرصده.
وعلى كل حال، لن أخوض كثيراً في العلاقة بين الشعب المصري ورئيسه المشير عبد الفتاح السيسي، لأن الأمر يبقى في النهاية شأناً داخلياً، ولست ساعياً للفتنة كقناة الفتنة القطرية، حتى أسهب في التحليل والتعليل والتأويل والتضليل، إن شئت.
ثانياً: إشعال فتيل الفتنة بين الشعب المصري من جهة والشعب السعودي من جهة أخرى، من خلال تحريض الإخوة في أرض الكنانة، ومحاولة إقناعهم بأن حكومتهم فرَّطت في السيادة الوطنية، وباعت أرضهم بمليارات الدولارات للمملكة العربية السعودية، وأن السعودية أغرت المسؤولين المصريين لـ(التنازل) لها عن (حق مصر) في هاتين الجزيرتين الإستراتيجيتين (وليس: في هاتان الجزيرتان الإستراتيجيتان.. يا دكتور تقادم الخطيب) لمصر؛ علماً أن مصر لم تنشئ فيهما أي مشروع يفيدها حسب علمي، سواءً أكان اقتصادياً، عسكرياً، أمنياً، سياحياً أو غيره.
ليس عجزاً من الحكومات المصرية المتعاقبة، أو قصر نظر، لا سمح الله، في الفكر الاقتصادي المصري، بل اقتناعاً من تلك الحكومات بعدم أحقيتها في الجزيرتين المعنيتين؛ وأحسب أنه لا يمكن لأي عاقل منصف أن يجد سبباً منطقياً مقنعاً، لإحجام مصر عن المساس بهما بأي شكل من الأشكال غير هذا.
ثالثاً: وهو السبب الأهم في تقديري، إشعال فتيل الفتنة بين الشعب السعودي الوفي النبيل وقيادته الرشيدة المخلصة لرسالتها، وإن كنَّا ندرك جميعاً في هذا البلد الطيَّب المبارك، أن تلك غاية أهون منها ولوج الجمل في سم الخياط، فعبثاً تحاولين يا قناة الفتنة؛ من خلال تلك المحاولات المستميتة لمقدمة البرنامج (فيروز زياني) وضيفها في الاستديو (الطالب تقادم الخطيب)، تارة لإقناع الشعب السعودي بأن قيادته أهدرت مليارات الدولارات لشراء الجزيرتين من أجل سواد عيون دولة الاحتلال الصهيوني، وتسليم حمايتهما لليهود للتنازل عنهما لصالحهم لاحقاً، بهدف إنشاء (قناة إيلات)، لتكون بديلاً عن قناة السويس.. فيا للعجب، ويا لضحالة التفكير والتحليل؛ إذ كيف لدولة كبيرة مثل مصر، فيها من العلماء والعباقرة والمفكرين والقادة الوطنيين، ما يفوق تعداد سكان قطر أضعافاً مضاعفة، أن تساعد دولة العدو الصهيوني على إنشاء قناة يمكنها أن تكون، لا أقول بديلاً عن قناة السويس التي تمثّل عصب الاقتصاد المصري، بل حتى رديفة لها؟!.. لا بد إذاً أن يكون الأمر مزحة ثقيلة.
ومن ناحية ثانية، سعى الاثنان (فيروز والطالب الخطيب)، حثيثاً للنفخ في نار الفتنة بين العرب وبين السعوديين من جهة، وبين المسلمين وبين السعوديين من جهة أخرى، في محاولة يائسة ولعبة مكشوفة لإقناع الرأي العام العربي والإسلامي والسعودي أيضاً، أن السعودية اعترفت اليوم رسمياً بـ(إسرائيل)، بسبب الحدود المشتركة بين الدولتين حسبما اقتضى أمر (نقل) جزيرتي تيران وصنافير لـ(السيادة السعودية).
وعلى كل حال، لن أسترسل هنا كثيراً في حق السعودية في الجزيرتين المعنيتين باعتراف أعلى سلطة في جمهورية مصر العربية الشقيقة، فقد شرحت الأمر بالدليل القاطع في مقال سابق لي بعنوان (قائدنا سلمان.. حُلْمُ الأُمَّة)، كتبته بمناسبة زيارة مليكنا المفدى سلمان الخير والسلام التاريخية الشهيرة إلى أرض الكنانة وقتئذٍ، نُشِرَ بجريدة الجزيرة، يوم الأربعاء 27-7-1437هـ، الموافق 4-5-2016م، العدد 15924، ص 9؛ بإمكان كل من يريد التحقُّق من الأمر الرجوع إليه في (Google).. أوجز فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، (القصة المكتملة)، التي جاءت قناة الفتنة لتبحث لها اليوم عن بقية مزعومة، ملخِّصاً الحكاية في ثلاث كلمات واضحات بيِّنات حاسمات، كشأن القيادات العسكرية الحاسمة دائماً، إذ يقول بأسلوبه المتميز كعادته: (رجَّعنا الحق لأصحابه).
قلت، لا أجد نفسي في حاجة لإعادة ما سبق أن أكدته بشأن أحقية السعودية في جزيرتي تيران وصنافير، غير أنني أود أن أختم هنا، لا أقول بدروس مهمة أو نصائح ذهبية أو إرشادات وتوجيهات فلسفية، كما يزعم صاحب برنامج (فوق السُّلْطة) الذي تبثه قناة الفتنة أيضاً ضمن معاولها الهدَّامة وجوقتها المطبِّلِة، الذي يزعم أنه أعرف من جهابذة الإعلام في العالم كله، فينبري دائماً لتقديم دروس ونصائح وإرشادات للقادة والوزراء والسفراء والدبلوماسيين في فن مخاطبة الجماهير وقراءة لغة الجسد... إلخ، إلا أنني أود صادقاً أن أبدي هنا بعض ملاحظات متواضعة لمقدمة برنامج (للقصة بقية) السيدة فيروز زياني ولضيفها الطالب تقادم الخطيب:
- أتمنى صادقاً يا ست فيروز أن تتقيدي دائماً بضمير الإعلامي النَّزيه الشريف، اللَّهم إلا إذا كنتم في قناة الفتنة تفهمون الشرف المهني على طريقة دبلوماسيِّ قطر، حيث تبثون سمومكم، الذين يرون في إيران (دولة شريفة).. تقيدي بضمير الإعلامي الذي تفرض عليه مهنته الحياد، بصرف النظر عن مشاعره أو أهدافه أو توجهاته السياسية.. فهكذا تقتضي أمانة المهنة وشرفها. كما أتمنى عليك أيضاً مخاطبة ضيوفك، لاسيَّما إذا كانوا مثل الدكتور نبيل ميخائيل، بما يليق بمكانتهم العلمية وبسنهم أيضاً، وليس كما بدا منك في أكثر من موقف عند مخاطبته، أو لنقل عند مقاطعته، وكأنك تخاطبين تلميذاً عندك في الصف الأول الابتدائي، مع كل الاحترام والتقدير للدكتور نبيل ميخائيل، الذي منعه أدبه الجم وحياؤه الشديد، فترفَّع عن الرد عليك أو زجرك، كما يفعل بعض الضيوف عند شعورهم باستفزاز مستضيفيهم لهم. وإن كنت أؤكد أنني لا أعرف الرجل شخصياً، إلا أنني متابع له من خلال اهتمامي بالإعلام، الذي يزعم العاملون في قناة الفتنة أنهم أصحابه الوحيدون العارفون به، الأوصياء عليه. ولمَّا كان الشيء بالشيء يُذْكَر، لا بد هنا أيضاً من الإشارة لتهكم المعاكس، صاحب برنامج (الاتجاه المعاكس) على ضيوفه وسخريته منهم.
- أمَّا الطالب تقادم الخطيب، كما قدّم نفسه، فبصرف النظر عن تبنيه لسياسة قناة الفتنة الهدَّامة، ولهاثه من أجل إثباتها، كان حرياً به أن يتقن أبسط قواعد النحو قبل أن يتطلع لنيل درجة الدكتوراه، حتى لا يؤذي أسماعنا بحديثه الطافح بـ(لَحْنٍ)، لا بد أنه أزعج أبا الأسود الدؤلي في قبره.. عيب يا... (دكتور).
أخيراً: أتمنى من كل دولتين أو أكثر بينهما نزاعات بسبب حدود مشتركة، اتباع نهج السعودية ومصر الرَّاقي في تسوية خلافاتهما، بعيداً عن لغة التهديد والحروب التي توغر الصدور وتهدم أكثر مما تعمِّر. كما أتمنى من كل العاملين في قناة الفتنة، مراجعة وصف الحق عزَّ وجلَّ للفتنة في الآيتين الكريمتين (191) و(217) من سورة البقرة.. فهل تجرؤون يا هؤلاء على لقاء الله سبحانه و تعالى، بشيء هو أشد من القتل وأكبر؟!