د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
أؤمنُ كثيراً أن المعلومات ولغة الأرقام والدراسات تسهل أمر الدخول إلى تناول الموضوعات وتقويمها، ولكني أتناول النشاط المدرسي وهو أمر عتيد لم تمسه أيدي الباحثين إلا لماماً حتى في وجود المراكز البحثية في الجامعات التي اتسقت مع التعليم العام مرجعياً، والنشاط عنصر يجب أن يحظى بإجراء بحثي تقويمي ليتجاوز حصار الأنشطة السائد إلى فضاءات الوعي الشامل، وما زال النشاط المدرسي حتى بعد أن توشح ساعته الجديدة التي كانت فكرة جيدة إلا أنها سبقت الإعداد المكين لها فكثُر عليها اللوم إلا من المستهدفين أنفسهم حيث كان يجب أن يتصدروا الآراء حولها وما فعلوا!! فما زال النشاط المدرسي يحتاج إلى نموذج نظري تطبيقي مؤازر للتوجهات الوطنية وإلى مقاربة المطالَب المُلحّة لمجتمعات المتعلمين المعاصرة لتحقيق الاندماج فيها ومعها، وبناء القيم العليا؛ والتشاركية المجتمعية المؤطرة، كما يحتاج النشاط إلى مشروعية عمل إجرائية تمكن المتعلمين من مغامرات المسرح، وتحديات المثاقفة وطيورها الملونة حول منصات المتعلمين التي يجب أن يتقنوها بأنفسهم ليبلوروا من خلالها حياتهم في ميادين قصصية وروائية وتشكيلية وأن تضطلع الفنون بدورها في ترقية الذوق والذائقة عندهم؛ فالفنون رسالة تنويرية وهي قدرة حافزة على استنطاق الذات تتيح للمتعلمين مساحات من التعبير عن أنفسهم بأشكال الفن المختلفة وارتياد وريادة منصات التطوع الواعية ذات التخطيط الممنهج وحيازة الفكر المهني الغزير، فيقدم النشاط للمتعلمين نظرة واعية عملية يستعملها المتعلمون للوقوف على أقدامهم ويرتقي بشبكة العلاقات بين المتعلمين ووطنهم الأرحب وتحقق لهم قفزات في تكوين الفكر الواعي المتطور والإضافات الذهنية الرافدة، ونجزم أن في فضاءات المتعلّمين اليوم ما يستحق التفاتاً وخروجاً من دوائر التقليدية، ومن هنا فالنشاط المدرسي اللا صفي خاصة إنجاز تربوي هدفه التحضر فلا بد من الدقة في نقش انعطافات الانطلاق، وإشراع نوافذ الضوء في ذهنية المتعلمين وأن لا يُكتفى بتنفيذ برامج النشاط إنما المحك هو ضمان تأثيرها على المتغيرات ذات العلاقة في المجتمع المدرسي والمحيط الخارجي وقدرتها على تحريك التساؤلات وضخ الحياة في فكر المتعلّمين ليكون ناقداً واعياً وبما يضمن قيادة المتعلمين إلى ما يولد لديهم ثقة في مستقبلهم وبما يضمن اقتناصهم للفرص الوطنية الوافرة.
ولما أن وزارة التعليم اليوم تبنت السياسات الشاملة في الإصلاح والتطوير ولديها على ما يبدو تحول واضح في الخطط الجديدة وإعادة صياغة ممكنات التعليم! فنأمل أن يكون للنشاط اللاصفي اصطفاف آخر وأن تتم بلورته من خلال منصة واعية أخرى تخرجه من عزلته داخل المدارس إلى فضاءات المجتمع يُبث من خلال استثمار المعرفة لدى المتعلمين كخلاصة في مواجهة التقهقر ليخلق القيم المُضافة في قدرات المتعلمين إضافة إلى توجيه السلوك الجماعي بما يحقق الذّات الوطنية السامية، وليكون المتعلمون السعوديون ذوي حضارة.
ونعلم جميعاً أن النشاط ليس مجالاً مستقلاً فلا بد من تكامله مع جميع عناصر التعليم الأخرى يتصدرها التدريس وأدواته والتقويم ومحكاته؛ بل ويجب أن ينطلق النشاط اللا صفي من رواق التعليم الكبير ولكن ليحلق بجناحيه مستفيضاً ناميًا.