فهد بن جليد
نحن نتبادل التُهم في هذه القضية دون أن نشعر, فمن يعطيهم المال يُحمِّل مسؤولية بقاء هؤلاء وتكاثرهم في الشوارع على الجهات المُكلفة بمنعهم وكأنَّها هي من تقاعست وتكاسلت عن ذلك, بينما نسمع بالمُقابل أنَّ المواطن (الباذل للخير والباحث عن الأجر والمُتعاطف مع الموقف) هو المسؤول عن تنامي المُشكلة وتزايدها بعدم امتناعه عن المُساعدة.
من منَّا لم يستفزه منظر الأطفال والنساء الذين يتسولون أمام الإشارات الضوئية وعند محطات البنزين في مداخل ومخارج المدن، المشاعر الإنسانية تجعلك تتعاطف مع مشهد الرُضَّع في أيدي من يُفترض أنهَّهنَّ أمهاتهم، وتلك الفتاة التي تقضي زهرة شبابها كبائعة مناديل متجوِّلة، وماسح زجاج السيارات الذي ترك مدرسته حافياً..، لتبقى في حيرة من أمرك بين تجاوز هؤلاء وعدم إعارة نداءاتهم وتوسلاتهم أي اهتمام, وبين الرضوخ لها وتقديم أي شكل أو نوع من المُساعدة -لإرضاء ضميرك الداخلي- حتى لو كنت تعلم في قرارة نفسك بأنَّ ما تتعرض له هو فصل من مسرحية كبيرة، أبطالها شبكات وعصابات تسول، وأدواتها في الغالب هؤلاء المساكين من مُخالفي أنظمة الإقامة والعمل من غير السعوديين، وفي كل مرَّه نُلقي المسؤولية على عاتق من لم يمنعهم من التسول منذ البداية، ونبرَّر أفعالنا بأنَّها ردة فعل طبيعية طالما أنَّ السائل وصلني، فلن أنهره أو أمنعه حتى وإن احتال وكذب عليَّ.
علينا أن نبحث عن إجابة واضحة ومُباشرة للسؤال التالي: هل التعاطف مع هؤلاء ومُساعدتهم جريمة؟ أوربما مُخالفة تنمِّي هذه الظاهرة أكثر وأكثر؟ أم أنَّ هذا التعاطي مُجرد ردة فعل عاطفية وطبيعية لا عقاب عليها، وتفاعل إنساني بمبلغ زهيد لا أكثر -حتى لو أنَّه في غير محله- رغم رسائل التحذير من الجهات المعنية بعدم الوقوع ضحية حيل المتسولين وخداعهم، خصوصاً وأنَّ وسائل الرعاية والدعم والمٌساعدة والمعونة الحكومية قائمة ومُعروفة وكافية لمن يحتاج بالفعل لها ومن يستحقها بعيداً عن التكسب والمُتاجرة بعواطف الناس، نحن نجهل حقيقتهم ومن يقف خلفهم، بل ومن يستفيد من هذه الأموال التي يجمعونها, فمهما كان المبلغ الذي يتم تقديمه كمُساعدة صغيراً ولا يُذكر، فإنَّه يشكل رقماً ضمن أرقام تجتمع في أيدي عصابات امتهنت واحترفت التسول, وربما سبَّبت لنا مشكلة نحن في غنى عنها.
القضاء كُلياً على التسول مهم مُستحيلة، فهو موجود في كل المُجتمعات الإنسانية مهما تقدمت أو تحضرَّت، ولكنَّ التخفيف من أشكاله وصوره الظاهرة في المجتمع، هو الهدف الذي يجب أن تسعى الجهات الرقابية لتحقيقه، بنشر فضائح هذه العصابات واعترافات أفراده وكشف الحقيقة كاملة، حتى يقتنع (المُحسِّن) بأنَّه يساعد الشخص الخطأ.
وعلى دروب الخير نلتقي،،،