يوسف المحيميد
قبل أسابيع زرت جاليري ميم في دبي، للاطلاع على تجارب الفنانين العراقيين الكبار، الرواد في مجال الفن التشكيلي العراقي، وربما العربي، كالفنان جواد سليم، ضياء العزاوي، رافع الناصري، ومظهر أحمد وغيرهم من عمالقة الفن العراقي، وكنت محظوظًا إذ التقيت بمدير الجاليري البريطاني تشارلز بوكوك، الذي قضى معي أكثر من ساعة في حديث عن الفن التشكيلي العربي، وما يمتلكه من رؤية حول قيمة اللوحة فنيًا وماليًا، ولفت انتباهي أنه لا يعرف من الفن السعودي سوى عبدالحليم رضوي، ربما بسبب عدم اطلاعه، أو اقتناعه، أو عدم قدرة فنانينا الوصول بأعمالهم إلى العالم العربي.
ولعل أكثر ما لفت انتباهي خلال الحوار، حين طلبت نصيحته لي كمقتنٍ للأعمال التشكيلية، فقال ببساطة شديدة، لا تقتني لأجل المال، لأنك ستفشل، تمامًا كالفنان الذي يرسم لأجل المال، وأضاف: عليك باقتناء العمل الذي تقع في حبه، ولا تفكر بأنك ستجني من وراه المال بعد سنوات، وهذا ينطبق على الفنان الذي يرسم لأجل المال، وليس للشغف الذي يملأ داخله تجاه الفن، فالفنان الذي لا يستمتع باللوحة أثناء عمله، ولا يهيم ببياضها شغفًا، ويشعر أنها تختطفه، وأنه جزء منها، وإنما يفكر متى يوقع أسفل اللوحة، كي يتاجر بها، فهو ليس فنانًا، وإنما تاجر!
ما أسعدني في مقولة بوكوك، أنني أنفذها منذ سنوات بلا وعي، لا أجلب إلى بيتي لوحة أجد فيها عيوبًا ومشاكل؛ لا أجامل، ولا أقتني العمل من أول نظرة، بل أحاول تفحصه مرارًا، كما لو كنت اتفحص فريسة، ولو كنت مترددًا بنسبة واحد بالمائة، تجاهلته وانتظرت عملا آخر، سواء للفنان نفسه أو لغيره، ولو اخطأت وتعجلت يومًا في اقتناء عمل فني لم يمتعني فيما بعد، أتخلص منه فورًا، على الأقل أخفيه عن نظري في مخزن مخصص للأخطاء الفنية!
وربما فات على بوكوك، وقد يفوت على بعض الفنانين، أن المقتني هو بالضرورة تاجر، وهذا خطأ شائع، لأن التجار يقتنون الأعمال للمباهاة، ويبحثون عن الفنان وليس اللوحة، ولا يدركون جمال اللوحة أو مشاكلها، بينما المقتني الحقيقي هو من يبحث عن اللوحة، وليس عن الفنان، وهنا فرق كبير يرتبط بالوعي والذائقة والقدرة على استشراف المستقبل.
ختامًا، لدينا تجار لوحات كثر ومقتنون أقل، ولدينا باعة لوحات كثر وفنانون أقل، وأجمل علاقة يحتفظ بها التاريخ هي بين فنان ومقتن، وليست بين تاجر وتاجر فيما يسمى سوق الفن!