د. جاسر الحربش
قدر الله وفتحت حساباً في تويتر فاكتشفت أن هذه الشبكة ليست مضيعة للوقت كما كنت أعتقد عندما نتعامل مع التغريدات فيها بطريقة الأرنب مع الثعلب. التأكد من معرفتك لاسم المغرد مهمة لإتخاذ القرار بالوقوف والقراءة أو القفز والالتفاف، لكن هذا لا يكفي. مهما عرفت من الأسماء لن تعرف كل نوعيات المغردين واهتماماتهم وتسبر شخصياتهم. معرفتي بالمغردين المشهورين محدودة لأقرر من أتابع وأقرا له ومن أؤجله أو أبتعد عنه. اكتشفت أن الشبكة تعج بمغردين مبهرين فكراً ومعرفة وحسن أخلاق. المقابل مما هو دون ذلك ليس بالكثير كما كنت أتوقع، وربما لأن عملية حجب الإساءات تؤدي دورها كمرشح جيد.
تبادلت بعض التغريدات عن طريقة التلقين للتفهيم في المدارس السعودية، أي فيما يخص تقنية التعليم فقط، تعليقاً على شريط فيديو يظهر فيه أحد المدرسين يعطي بعض التعليمات بصوت مسموع لطالب صغير (تلميذ) أثناء إلقائه كلمة في الحفل المدرسي. الأستاذ كان حريصاً على تذكير الطالب بما يجب عليه قوله، والطالب الذي كان في البداية واثقاً من نفسه ارتج عليه عندما التفت نحو مدرسه.
علقت ببراءة على الشريط بأن هذه هي طريقة التلقين التي تلغي عقل وشخصية الطالب، ووافقني أغلب المتجاوبين ما عدا بعض الأفراد. أحدهم أصر أن التلقين لا يلغي الفهم بل يزيد فيه مستدلاً بأن هذا التلقين الذي أحتج عليه هو ما تخرجت شخصياً كطبيب بسببه مثل مئات الأطباء والمهندسين والطيارين إلى آخر الكفاءات.
الأخ المعلق خلط في تحمسه للتلقين بين أسباب وجود الكفاءات الوطنية وبين إمكانيات هذه الكفاءات العقلية التي تمردت بسببها على التلقين، ولم يتكرم بذكر الملايين من الطلبه الأذكياء الذين لم يحققوا تفوقاً في المجالات العلمية التي تحتاج إلى التفكير.
أما أنا شخصياً فضيعت في ألمانيا أكثر من سنة كاملة في حالة ذهول وعدم فهم لما يجري حولي في المحاضرات عن الفيزياء والكيمياء والأحياء وعلم الإحصاء، حتى رزقني الله بالتوقف عن محاولة الحفظ المعتادة وتضييع الوقت عليها وقد كنت حفيظاً من الدرجة الأولى، لمحاولة الفهم لأتفادى الرسوب في الامتحانات.
بناءً على تجربة شخصية وعلى ما حققته المناهج الفكرية في التعليم مقابل التلقين والاستذكار النصي، أؤكد أن التلقين في المدارس والمعاهد ما هو إلا فرع من فروع شجرة التبعية التربوية والتقليد، أما التفكير المنهجي عندما يتعود عليه الطالب منذ البدايات فهو الاستقلال الفكري ونتيجته الإبداع. أحد المعلقين المبدعين قال إننا الأمة الوحيدة التي لا تلد أجيالاً جديدة بل تلد آباءها.