د. أحمد الفراج
تشير كل الدلائل إلى أن المفهوم العام للديمقراطية لدى معظم الناس يشي بخلل وسوء فهم، إذ يعتقد كثيرون أن الديمقراطية تعني ترشح أي أحد، ثم يتم انتخاب من يحصل على غالبية الأصوات، وهذا هو الفهم المثالي للديمقراطية، ما يعني أنه، تبعا لذلك، قد يفوز معلم أو مزارع أو حتى إنسان غير متعلم، وهذا هو المفهوم، الذي حاول السياسي البريطاني تشرشل تصحيحه، وهو مفهوم مثالي خاطئ، لا يحصل حتى في معظم الديمقراطيات العريقة، وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية، التي مارست نمط الحكم الديمقراطي منذ أكثر من قرنين من الزمان، فالأمر ليس بهذه البساطة، ونادرا ما تسمع عن حالة، فاز من خلالها مواطن بسيط، فللديمقراطية اشتراطاتها، وهي اشتراطات صعبة، إذ صحيح أن باراك أوباما فاز برئاسة أقوى دول العالم، رغم أنه ينتمي للعرق الأسود، ومن أصول أجنبية. هذا، ولكن آلية ترشحه وفوزه لم تكن بتلك البساطة، التي تناولها الإعلام العربي.
لم يكن ممكنا أن يفوز أوباما، لو لم يكن منتميا للحزب الديمقراطي، أحد الحزبين الرئيسيين في أمريكا، وجدير بالذكر أنه رغم آلاف المرشحين للرئاسة الأمريكية، على مدى عقود طويلة، إلا أنه لم يسبق أن فاز مرشح من خارج الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ولم يكن ممكنا أن يفوز أوباما، لو لم يلقَ تلك الكلمة التاريخية، في مؤتمر الحزب الديمقراطي في عام 2004، أي قبل ترشحه للرئاسة بسنوات، ولم يكن ممكنا أن يفوز أوباما، لو لم يتدرج في العمل السياسي، كعضو في مجلس الشيوخ لولاية الينويز، ثم كعضو في مجلس الشيوخ الفيدرالي، ولم يكن ممكنا أن يحلم أوباما بالفوز، لو لم يخدمه فريق متمكن، يعمل لمصالح اللوبيات المتنفذة، ولم يكن ممكنا أن يفوز أوباما، ابن الطالب الكيني، لو لم يتلقفه الإعلام الأمريكي، وتنفخ فيه ماكينته الجبارة، بإيعاز من القوى التي يخضع لها هذا الإعلام، ويخدم مصالحها، في عملية تخادم معقدة، لا يدركها إلا من خبر هذا الإعلام، الذي بإمكانه أن يطيح بالرئيس، أو يجعل الشعب الأمريكي يشعر أنه في حالة حرب، كما حصل قبيل غزو العراق واحتلاله في عام 2003.
الديمقراطية، يا سادة، مفهوم مغري، ولكن في حالتها المثالية فقط، والتي لا تحدث إلا في خيال الحالمين، ودعونا نضرب مثالا آخر، قد يخفى على الحالمين ولا يروق لهم، ففي الانتخابات الرئاسية الأمريكية الماضية، ترشح السيناتور المستقل، برني ساندرز، عن الحزب الديمقراطي، منافسا لهيلاري كلينتون على ترشيح الحزب، وهو يساري ذو شعبية جيدة، وقد جندل هيلاري، وكاد أن يفوز عليها، ولأنه لم تكن هناك رغبة لدى المؤسسة الرسمية في تفوقه، فقد تم قطع الطريق عليه عن طريق تصويت المندوبين الديمقراطيين لهيلاري، والمندوبون هؤلاء هم قيادات فاعلة في الحزب الديمقراطي، لهم ذات تأثير التصويت الشعبي، ما يعني أنه عندما كان ساندرز في طريقه لكسب الأصوات الشعبية، أنقذت أصوات المندوبين هيلاري!، وهذا كله جزء من الحراك الديمقراطي الأمريكي، والخلاصة هي أنني لا أهجو الديمقراطية هنا، بل أحاول التوضيح بأنه لا يوجد في عالمنا ديمقراطية مثالية، كما يتوهمها بعض الحالمين!