رجاء العتيبي
علينا أن نفكر في السينما بتجرد, من دون الانجراف معها على طول الخط, ولا معارضتها على طول الخط, نكون في المنتصف أو في الوسط أو التعامل معها بعقلانية, يعنينا هنا في موضوع السينما المحتوى باعتباره قضية القضايا وجدلنا المستمر حوله لن يوصلنا إلى نتيجة، من جانب آخر قد يكون المحتوى: سهلاً سلسلاً بسيطاً مريحاً إذا تعاملنا معه بحكمة, فلن يكون له تأثير طالما أن معايير القيم الدينية السمحة والتقاليد الاجتماعية الرصينة حاضرة في قرار اختيار الأفلام محلية كانت أم أجنبية، وحاضرة في أعمال الرقابة بصورة منطقية. فليس من الحكمة ولا المنطق أن تفتح السينما على مصراعيها بلا مراعاة لمشاعر الآخرين, فالناس في تعاطيهم مع السينما يبدؤون من خط متدرج يبدأ من (1) حتى (10) على غرار اليمين واليسار، فلا أجمل من المنتصف عند الرقم (5)، وعلينا أن نكون كذلك طالما أننا أمة وسط, ودعك من التوصيف والتصنيف والاصطفاف هنا أو هناك وأكل لحم بعض. لتسير السينما بوجهها الإيجابي في وقت نعالج فيه السلبيات بحكمة وهدوء وروية.
جانب آخر يجعل السينما أمرًا ملحًا في عالم اليوم, وهو الجانب الاقتصادي، وهذه المنطقة أكثر رحابة وأكثر حماسًا, فالكل سيدخل هذا الجانب حتى المعارضون لها, ستجد أفلاماً بسمات (إسلامية) حسب تعبيرهم كما هو الحال في القنوات الفضائية التي كانت مرفوضة في بادئ الأمر ثم تحولت عند من يرون بطلانها إلى وسيلة لنشر منتجهم الفني والإعلامي أو المحافظ على حد وصفهم.
هل يمكن أن يجمع (الوسط) كل الأطراف: الراغبة في السينما والممانعة لها والمترددة والمحايدة؟ في تقديري أن الجانب الاقتصادي هو الذي سيجمعهم عند الوسط عند الرقم (5) ولا مجال إلا أن يكونوا كذلك, فالقرار بات نافذًا والأمر قد قضي وانتهى, ولا مجال سوى أن تتصافح الأيدي وتتقارب وجهات النظر, لا نقول كلٌ (يعمل على شاكلته) وإنما نقول هناك وطن يحتاجكم أن تعملوا من أجله, ولتكن السينما مكانًا يجتمع الكل بداخله لا في اليسار المتطرف ولا في اليمين المتحرر, لينهض الوطن بالجميع, لا أن نتقاتل ونخسره.
الوسط منهج إلهي قويم, {لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}، فلماذا لا يكون الوسط هو الذي يسير حياتنا, لماذا في كل قضية وكل أمر وكل سانحة ترانا (يميناً وشمالاً) لا نتلقي؟ لماذا نصطف هنا وهناك, لماذا نقول هذا خطأ بشكل حدي، وهذا صح بشكل حدي؟
التعايش أمر حتمي لتسير الحياة وإلا سقطت كلها على رؤوسنا, فليس من المنطق أن (ننقسم) حول كل جديد!! ما هكذا تورد الإبل, الجديد بات قضية لدى الأجيال السابقة والأجيال الحالية, وكأن التاريخ يعيد نفسه.
الأجمل مع كل ذلك أن النهاية يحسمها (الجديد) ذاته, ويلتقي الجميع حوله ويتعاملون معه, كلٌ بطريقته, ويمازحون بعضهم البعض: تذكرون يوم كذا وكذا، يوم كان الجوال أبو كاميرا ممنوعاً.