فهد بن جليد
بينما كنتُ أنهي إجراءات دخولي في أحد الفنادق في عاصمة عربية، سمعتُ صوت سائح سعودي - في منتصف العمر - وهو يتحدث مع إحدى موظفات الخطوط الأمامية في الفندق - من دول شمال أفريقيا - وكان يسألها فيما فهمتُ عن طعم التمر الذي أحضره معه كهدية للعاملين في الفندق, ارتبت من المشهد بداية الأمر (تمر، طحينة، قشطة), ولكنني فهمت لاحقاً أنَّه زبون دائم يتردَّد على هذا المكان وقد وصل قبلي بوقت قليل, أعجبتني اللهجة السعودية المحلية التي يتحدث بها الرجل حول التمر والطحينة, وكيف أنَّها وجبة غذائية مُكتملة العناصر إذا ما تم تناولها مع القشطة والقهوة العربية, المرأة قالت إنَّها تذوقت التمر مع العاملين الآخرين بإعجاب, وكانت تسأله بلهجتها المحلية عن اسمه لأنَّهم يزرعون النخيل في بلادهم ولا يتم تخزينه ليصبح بهذا الشكل, لم يفهم ما تقصده تحديداً, ولكنه وعدها في المرة المُقبلة أن يحضر نوعاً مُختلفاً, هنا حاولت التدخل لفك الاشتباك اللغوي بين اللهجات المحلية التي يحاول كل طرف التمسك بها, فإذ بي أوافق مع إصرار الرجل على تذوق التمر معه وشرب فنجان القهوة, وأهداني القليل منه بكل طيبة خلق وكرم, خلافاً للاعتقاد الذي بدأ يتلاشى حول تجنب السائح السعودي الحديث عادة مع أي سائح سعودي آخر في الخارج, نتيجة القصص التي يردِّدها الناس وتتم المُبالغة فيها مما خلق هذا النفور غير المُبرَّر بيننا في الخارج.
الرجل أخبرني أنَّه كثير السفر بحكم طبيعة عمله التجاري, وأنَّه اعتاد في كل مرة على أن يجلب معه شيء من التمر والطحينة والدبس, ليتذوق الناس الذين يقابلهم أو يتعامل معهم في أي بلد عربي أو أجنبي بعض الأكل الذي يعكس التقاليد والعادات الغذائية والثقافة السعودية, وهنا تتضح طيبة وسماحة وبساطة السائح السعودي بكل صوره, فلك أن تتخيل كيف يخلق مثل هذا التصرف البسيط انطباعاً كبيراً عن بلادنا عند الثقافات الأخرى, شريطة أن يتم التأكد من عدم مُخالفة ذلك لأنظمة بعض البلدان أو استغلاله لابتزاز السائح السعودي.
تذكرت الأمر وأنا أشاهد تقريرا تليفزيونيا حول الانطباع الذي خلفه الأكل السعودي الشعبي عند المُشاركين في منتدى دافوس العالمي, وكيف نجح 3 طباخين سعوديين برفقة فريق مؤسسة مسك الخيرية (الشيف راكان، الشيف ضحى، الشيف علي) في عكس جانب مُشرق ومُضيء عن ثقافة الضيافة السعودية وتقاليدنا وعاداتنا الشعبية الغذائية, التي حازت على إعجاب وثناء الحضور بعد تقديمها بشكل عصري جذاب.
الأكل بمثابة سفير فوق العادة بين الشعوب حتى عند تلك البلدان والمُجتمعات التي قد لا يوجد بينها علاقات دبلوماسية, لننظر إلى أثر المطبخ الصيني, الهندي, الفارسي, الأمريكي, التركي, اللبناني, والإيطالي في العالم, والذي يحاول أن يقوم به سائح يحمل حبات من التمر.
وعلى دروب الخير نلتقي.