فوزية الجار الله
أسعد اللحظات وأجملها حين أجد نفسي في صومعتي حيث مكتبتي الخاصة التي أعتقد بأنها عامرة بكم هائل من الكتب، أطوف بينها، بين الفترة والأخرى، بعضها مللته ونحّيته قليلاً عن نظري وبعضها لم أكتشفه بعد وبعضها الآخر أشتاق إليه كثيراً، بعضها فكرت بالاستغناء عنه وبعضها الآخر أجدني غير قادرة على نفيه خارجاً عن رفوفها، لكنها جميعاً لازالت هناك، تحتويني الكتب فأشعر بالدفء والثراء والاكتفاء الروحي إلى حد بعيد..
هذا الصباح التقطت بضعة كتب من بين رفوفها، أستعرضها في محاولة لاختيار الأفضل منها لأجل التفرغ له، كانت عبارة عن بعض الموسوعات والروايات والمجموعات القصصية والدواوين الشعرية.. كانت أمامي على سطح المكتب ، تصفحتها، بعضها روايات طويلة بدأتها ثم لم أستطع إنهاءها لسبب أو آخر أهمها أنني انشغلت بأمر آخر، وبعضها دواوين شعرية أعود إليها بين الفترة والأخرى.
أسعد اللحظات حين أجد نفسي غارقة، مستغرقة بين كتبي، أنسى اسمي وذاتي، أرضي وسمائي ولون طلاء الغرفة حولي، أنسى من يشاركني مسكني وأدخل في حالة عجيبة هي أشبه بحالة حب لاتتكرر أتمنى حينها أن يصبح الزمن سرمدياً بلا نهاية كي آتي على كافة تلك الكتب التي هجرت الكثير منها زمناً رغماً عني وأحياناً بإرادتي، أصبح في حالتي مثل الأسطورة الراحلة أم كلثوم حين تغني (ياريت زماني مايصحنيش!) أو مثل عبدالحليم في أغنيته حين يردد (ياريت يادنيا تدّينا عمر ثاني..)..
بعض الكتب قديمة أثيرة تحمل نكهة ذكريات لاتنسى، على سبيل المثال: بين يدي رواية بعنوان: «الروائيون» تأليف/ غالب هلسا.. الكتاب بدون غلاف ولذلك حكاية، هذا الكتاب اقتنيته من مدينة القاهرة ضمن بضعة كتب وكنت سعيدة جداً وانا أعود به إلى الرياض، كان ذلك منذ أكثر من عشرين عاماً، وفي المطار تم فتح الحقيبة من قبل المسؤول في المطار، رغم أن الكتب كانت للاستخدام الشخصي لاشيء آخر، الموظف فيما يبدو كان موظفاً شاباً مستجداً متحمساً أكثر مما ينبغي لإثبات مهارته، تصفح الكتب وكنت في غاية اللهفة والخوف والهلع أن يصادرها فيصادر قطعة من قلبي، لا أدري حقيقة ما الذي دار في مخيلته في تلك اللحظة لكن لا أراه إلا سوء تصرف وتجاوز ورغبة في التسلط والاستبداد في ممارسة وظيفته حين نظر إلى الكتاب الذي كان غلافه عبارة عن تمثال غير مكتمل لامرأة شبه عارية، لكن لم يكن التمثال واضح الملامح، عدا أنه مجرد صورة على غلاف، وبحركة سريعة خاطفة قام بتمزيق الغلاف وإلقائه في سلة النفايات إلى جواره وكأن من تملك الكتاب طفلته الصغيرة وليست مجرد امرأة عابرة لحدود المطار، لم أنبس ببنت شفة خشية أن تمتد يده إلى كتاب آخر، لكنني حمدت الله أني قد نجوت بكتبي الأخرى.. وللحديث بقية.